دورة المجلس المركزي.. دورة الضرورة الوطنية
بقلم/ محمد علوش
هناك أهمية وطنية لعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وما يتطلبه ذلك أيضًا من أهمية مشاركة الكل الوطني لإنجاح هذا الدورة، وضرورة مشاركة كافة القوى والفصائل المنضوية بإطار المنظمة بهذه الدورة نظرًا إلى ضرورتها وأهميتها، والتوقف عن سياسة الاستنكاف والمقاطعة، وأهمية تفعيل أطر ومؤسسات المنظمة وضمان استمرارية الحفاظ على حقوق شعبنا ومواجهة الإبادة الجماعية المستمرة بحق أبناء شعبنا في قطاع غزة والتطهير العرقي في القدس والضفة الغربية التي تقوم بها حكومة الاحتلال العنصرية بدعم متواصل من الإدارة الأمريكية.
والمرحلة الحالية تتطلب التفكير في كيفية الحفاظ على المنجزات والمكتسبات التي حققها شعبنا الفلسطيني عبر نضاله المستمر، ومواجهة السياسات الأمريكية التي تشكل استعمارًا جديدًا ومخططًا لتطهير عرقي في الضفة الغربية وقطاع غزة، والمهم الآن ليس فقط تشخيص الواقع، بل البحث في آليات التصدي لهذا المخطط، لضمان الحفاظ على إنجازاتنا الوطنية والتقدم نحو تحقيق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال، رغم الظروف الصعبة التي نواجهها، والمعركة لم تنته بعد، وهذا يدعونا إلى أهمية الحوار الوطني والمشاورات بين كافة قوى ومكونات منظمة التحرير الفلسطينية في إطار التحضير لعقد دورة اجتماعات المجلس المركزي في الموعد المحدد ووفق جدول الأعمال المحدد، وضرورة اتخاذ خطوات إضافية بالتنسيق مع مختلف القوى الفلسطينية، لمواجهة إجراءات الاحتلال.
وعلينا اتخاذ مجموعة من الخطوات السياسية، أبرزها، الدعوة إلى اجتماع وطني شامل يسبق اجتماع المجلس المركزي، بحيث يكون الحوار مفتوحًا بين جميع الأطراف، ومواصلة التحرك الدبلوماسي لحشد الدعم الدولي ضد مخططات الضم والتهجير، وتنسيق المواقف في إطار الحركة الوطنية لمواجهة التحديات المقبلة بشكل موحد، ووضع استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة ما يتعرض له شعبنا من محاولات تهجير واقتلاع، في ظل عجز المجتمع الدولي عن الوفاء بالتزاماته بهدف الضغط على الاحتلال.
إن انعقاد دورة المجلس المركزي تأتي في ظل ظروف وأوضاع سياسية معقدة تتطلب اتخاذ سلسلة من القرارات الواضحة والحازمة، إضافة إلى صياغة خطة عمل استراتيجية للمرحلة القادمة تفضي إلى المحافظة على المشروع الوطني الفلسطيني، انطلاقًا من تحديد العلاقة التعاقدية مع دولة الاحتلال بانتهاء المرحلة الانتقالية، وتجسيد دولة فلسطين على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وما يترتب على ذلك من خطوات عملية ملموسة يتطلب اتخاذها على المستويين الداخلي والخارجي، وعلى الصعيد التنظيمي المتعلق بتفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بوضع حد لسياسة وتغييب وتهميش دور ومكانة المنظمة ومؤسساتها ودوائرها، لأن استمرارها سينعكس على دورها ومكانتها باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
إن المجلس المركزي مطالب في دورته المقبلة بتبني قرار واضح بالإعلان عن تجسيد دولة فلسطين على الأراضي الفلسطينية المحتلة استنادًا إلى قرار الجمعية العامة رقم 19/67 29 نوفمبر 2012 وقرار مجلس الأمن 2334 ديسمبر 2016 الذي يعترف بموجبه بفلسطين دولة بصفة مراقب، وما يتطلبه ذلك من البدء الفوري باتخاذ سلسلة من الإجراءات العملية الملموسة على المستويين الداخلي والخارجي، وفي مقدمتها الإعلان عن برلمان تأسيسي، ووثيقة إعلان دستوري كخطوة أساسية لتجسيد قيام الدولة، إلى جانب ضرورة تبني موقف واضح وصريح بتحديد العلاقة بين المنظمة والسلطة، استنادًا إلى القرارات الصادرة عن الدورة السابقة للمجلس المركزي وتوصيات اللجنة الإدارية للجنة التنفيذية، باعتبار أن المنظمة مرجعية للسلطة وما يتطلبه ذلك من إعادة النظر ببعض المراسيم الرئاسية التي حولت السلطة مرجعية للمنظمة، والاهتمام بدور المجلس المركزي للمرحلة القادمة بحيث يأخذ دورًا تشريعيًّا، وكذلك إعادة تشكيل دوائر منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز الدور القيادي للجنة التنفيذية.
في جميع اجتماعات المجلس المركزي بات ملف تفعيل وتطوير دوائر ومؤسسات منظمة التحرير بندًا دائمًا، ويتم البحث فيه دون نتائج عملية ملموسة ودون قرارات ملزمة، ما أدى إلى تهميش وإضعاف مؤسسات (م.ت.ف) ودورها ومكانتها، لذا بات من الضرورة التوقف الجدي والنقدي وبعيدًا عن الصياغات العامة والتوجهات والقرارات غير الملزمة، وعلينا أن ننطلق من ضرورة تفعيل ما هو قائم على كل المستويات، في الوقت نفسه الذي نسعى إلى مشاركة الجميع في إطارها، ونتطلع أن يؤدي انعقاد المجلس إلى تصليب وتعزيز الوحدة الوطنية، وإيجاد الحلول للأزمات الداخلية المستعصية ومعالجتها في إطار رؤية مشتركة تعزز الشراكة الوطنية والسياسية، والارتقاء بوحدة ومتانة النظام السياسي الفلسطيني، وبحيث يشكل كذلك قاعدة لمواجهة التحديات الخارجية على طريق تحقيق أهدافنا الوطنية بالحرية والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس.
هذه الدورة تمثل محطة وطنية للمراجعة والتقييم واستنهاض كل القوى في معركة الدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية، ونعتقد أن جدول أعمال المجلس مهم جدًّا، وأن هذه الدورة ستكون مختلفة عن سابقاتها بحيث ستكون لها مخرجات عملية وملموسة على الصعيد السياسي وعلى صعيد القرارات، وهذا المجلس بالذات مطالب بامتلاك المبادرة السياسية والاستمرار بالهجوم السياسي والدبلوماسي الفلسطيني لكسب الموقف الدولي والعربي وعزلة “إسرائيل” والإدارة الأمريكية، واتخاذ قرارات واضحة بإعادة صياغة العلاقة مع “إسرائيل” وتغيير القواعد والانتقال من السلطة للدولة، وإنهاء المرحلة الانتقالية بكافة التزاماتها واتخاذ إجراءات لتكريس مكانة الدولة الفلسطينية واقعيًّا، بتطوير آليات الاشتباك وفرض وقائع مادية على الأرض.
ومع أهمية الدورة، إلا أن هناك من يختزل دعوة المجلس ببند وحيد مرتبط باستحداث منصب نائب الرئيس، وهذا أمر مشروع، ولكن القضايا متعددة والتحديات كبيرة وجميعها مرتبطة بعضها ببعض في مسار يتطلب وحدة الموقف وشراكة في اتخاذ القرار وحماية النظام السياسي الفلسطيني والقرار الوطني المستقل وإسقاط أي مشروع للوصاية والتبعية، وتعزيز مكانة ودور المنظمة كجبهة وطنية عريضة ما زالت مؤهلة لقيادة مسيرتنا النضالية وتحقيق الحرية والاستقلال.
إن دورة المجلس المركزي المرتقبة، مصيرية وتاريخية وفاصلة خاصة فيما يتعلق بتحديد العلاقة مع “إسرائيل” في ظل المرحلة السياسية الجديدة التي يعيشها شعبنا، وهذه المرحلة والوضع الجديد يتطلب وحدة وطنية وجبهة داخلية محصنة لمواجهة التحديات، وعلى الكل الفلسطيني تحمل المسؤولية، واتخاذ خطوات فعلية وجدية أمام المهام الوطنية المفصلية والملحة، والشيء الجوهري هو القيام بزمام المبادرة لإصلاح النظام السياسي، حتى لا يفرض علينا الإصلاح من الخارج، فالاحتلال قام بالتنصل من الاتفاقيات السابقة، وعمليًّا يقوم باحتلال قطاع غزة، وضم الضفة الغربية، وإنَّ الهدف المركزي هو تجسيد الدولة الفلسطينية، ويجب أن يكون هذا الملف وطنيًّا وشاملًا، عبر استنهاض الوطنية الفلسطينية، وذلك تحت شعار الدولة الفلسطينية .
وهنا أيضًا تكمن الأهمية بأن يتحمل المجلس المركزي المسؤولية وأن يتولى صلاحيات المجلس التشريعي وأداء مهام الرقابة على أداء الحكومة، وهذا الأمر يوجب تفعيل لجان المجلس المركزي لتقوم بالمساءلة والرقابة، لذلك وجب توفر الإرادة السياسية نحو إعادة الاعتبار لكافة هيئات ودوائر ومؤسسات المنظمة لقطع الطريق أمام أي محاولة لإيجاد أطر بديلة أو موازية للممثل الشرعي والوحيد، ونريد لهذه الدورة أن تكون دورة الضرورة الوطنية في معركة الحرية والمصير المشترك لإفشال كافة السياسات والمشاريع الأمريكية الإسرائيلية.