مقالات الرأي

بين صناعة الإرهاب وتجريد المقاومة

بقلم/ ناصر سعيد

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، خاضت الولايات المتحدة معارك متعددة ضمن ما سُمي بـ”الحرب الباردة”، تحت شعار حصار المد الشيوعي. لكن الهدف الحقيقي كان السيطرة على منابع الطاقة والممرات الاستراتيجية، وكانت منطقتنا العربية قلب هذا الاستهداف. صُوّر الاتحاد السوفيتي كعدو للدين، وخاصة الإسلام، لتبرير المواجهة الشاملة ضده.

ولكي تتفادى المواجهة المباشرة مع حلف وارسو، لجأت القوى الغربية إلى تجنيد طاقات بشرية تخوض الحرب بالوكالة، فوجدت ضالتها في الفكر الإسلامي الجهادي، الذي استند إلى تأويلات متشددة للفكر الوهابي وبعض أطروحات الإخوان المسلمين. مع الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، بدأت عملية استقطاب ضخمة للشباب، مولتها دول الخليج وروّجت لها عبر فتاوى ومؤسسات دينية، بينما تولت المخابرات الغربية توجيه المعركة وأهدافها، بعيدًا عن منبع الغضب الحقيقي.

في المقابل، كانت المقاومة الفلسطينية في لبنان وبيروت تُحاصر وتُشوّه وتُلاحق، ولم تجد دعمًا يُذكر سوى من دول الصمود والتصدي التي تشكلت عقب اتفاقية “كامب ديفيد” بقيادة ليبيا. فبينما كانت التنظيمات الجهادية تتلقى الرعاية والتمويل، كانت المقاومة تُصنّف “إرهابًا”، وتُطارد قياداتها وتُجبر على الرحيل.

اليوم، تتكرر ذات السياسات. تُجرد المقاومة في غزة والضفة ولبنان من أبسط وسائل الدفاع، بينما تُغدق على العدو الصهيوني أحدث الأسلحة والتقنيات، بدعم غربي وتمويل عربي، بل وبتواطؤ صريح من أنظمة تسعى إلى تصفية ما تبقى من مشاريع المقاومة في منطقتنا، من اليمن إلى لبنان.

إنها ليست حربًا على الإرهاب كما يُروّج، بل هي صناعة للإرهاب وتجريد للمقاومة.

زر الذهاب إلى الأعلى