الدعوة إلى انتخابات بإدارة دولية!!
بقلم/ مصطفى الزائدي
الكل صار مقتنعًا بأن الأزمة الليبية وصلت إلى طريق مسدود بفشل المحاولات التي جرت للتعامل معها، سواء تلك التي تبنَّتها أطراف محلية أم تلك التي نفَّذتها ورعتْها أطراف دولية.
أيضًا الكل يعلم علم اليقين بأن الحل يكمن في انتخابات حرَّة ونزيهة، تفرز سلطة تشريعية وتنفيذية تدير مرحلة انتقالية وتعيد بناء مؤسسات الدولة والحفاظ على وحدة الشعب الليبي وتأمين مصالحه ومعالجة الاختناقات الاقتصادية والأمنية التي تواجهه.
والأغلب صاروا مقتنعين بأن الحديث المتكرر عن الانتخابات مجرد كلام في الهواء، فلا يمكن عمليًّا إجراء انتخابات في هذا المناخ من الفوضى الأمنية والانقسام السياسي والتدخل الأجنبي والفساد الذي لم يشهد له التاريخ الليبي مثيلًا، ولقد جرت انتخابات في المرحلة السابقة في ظل قوانين مصممة على مقاسات بعض الأطراف السياسية التي تريد أن تهيمن على ليبيا لمصلحتها أو لمصالح دول راعية لها والنتيجة فشل ذريع وتعقيد رهيب في الأزمة وانهيار مريع لكل مناحي الحياة الاقتصادية والأمنية والسياسية، بل أدت إلى حروب طاحنة أتت على الأخضر واليابس.
لقد استبشر الليبيون خيرًا باتفاق لجنة الحوار في تونس عام 2020 بإجراء انتخابات قبل نهاية عام 21، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، فقبل أسبوعين من تنفيذ العملية الانتخابية ألغيت دون سابق إندار بذريعة وجود قوة قاهرة منعت إجراءها، واستمر مسلسل الحوارات العبثية فيما عرف بالقاعدة الدستورية ولجنة 6+6 القانونية، والكل يعرف أن الانتخابات غير ممكنة، وبديلها إما الحرب أو استمرار حالة الفوضى والانفلات الأمني والانهيار الاقتصادي ونجاح مخططات التقسيم والتوطين.
من اشتراطات إجراء الانتخابات وجود سلطة واحدة تشرف عليها، وتبين أن ذلك أقرب إلى المستحيلات، فكل المحاولات السابقة لتكوين السلطة الواحدة فشلت، الانقسام اليوم أكثر تعقيدًا لذلك تنظيم انتخابات بهذه الآليات مجرد سراب بعيد المنال!
ولقد بينت انتخابات البلديات المدة الماضية استحالة إجراء انتخابات حرة، وكشفت صور تلاعب المال الفاسد وسطوة الميليشيات وتأثيرها على نتائجها.
فهل يمكن الوثوق في نزاهة أي انتخابات تجرى في هكذا ظروف؟
إذًا ما الحل؟
من البديهي القول إنه لتفادي الحرب ولوقف الانهيار وللخروج من الحالة العبثية لا بديل عن الانتخابات.
وثانيًا، عمليًّا النظام البرلماني الذي فرضه دون وعي المجلس الانتقالي المعين من الدول المعتدية على ليبيا لا ينجح إطلاقًا في الدول المتأزمة، فالأنظمة البرلمانية فاشلة حتى في الدول المستقرة، وهي تطبق في عدد محدود من دول العالم، والمثل واضح في لبنان وحتى في إيطاليا وألمانيا اللتين تبقيان لشهور دون حكومات، أغلب أنظمة العالم رئاسية، حيث تحتاج الدول خاصة المتأزمة إلى سلطة تنفيذية قوية تستمد شرعيتها مباشرة من الشعب بانتخاب رئيس للدولة يسانده برلمان يضبط أداءه ويراقبه.
في ليبيا الحل يكمن في إجراء انتخابات رئاسية مباشرة، وبالنظر إلى عدم وجود إمكانية في القريب العاجل في تشكيل سلطة واحدة في ليبيا تجري انتخابات حرة ونزيهة، والحسم العسكري صعب ونتائجه غير مضمونة، كما أن انتخاب مجلس نواب كما يدعو البعض ليس سوى تدوير للأزمة واستمرار للحال على ما هو عليه، فما البديل؟
أرى أن البديل الوحيد المتاح أمام الليبيين هو أن تدير الأمم المتحدة عملية انتخابية متكاملة بشكل مباشر وتشرف عليها وتفرض نتائجها، تمامًا كما أدارت الحوارات الفاشلة السابقة وأمنت نتائجها وفرضتها رغم معارضة أغلب الليبيين لها، ورغم الفشل الذريع المتواصل طيلة خمسة عشر عامًا.
قد يقول قائل إن في ذلك مطالبة بتدخل دولي في عملية ينبغي أن تكون وطنية، وهذا كلام مضحك في واقع الأمر، فليبيا تحت الفصل السابع والحكومات المتعاقبة الفاشلة صنعتها بعثة الأمم المتحدة وفرضتها على الليبيين بقرارات من مجلس الأمن، والدول النافذة في الأمم المتحدة كلها دون استثناء تتواجد عسكريًّا وسياسيًّا في ليبيا، فمن باب أولى أن تتواجد لإدارة عملية انتخابية مؤقتة تستمر لأيام معدودات.
وثانيًا قد يعترض البعض بأن ذلك سيشكل تكلفة مالية ربما لا ترغب الأمم المتحدة في تحملها، وهذا أيضًا كلام مضحك، فالأمم المتحدة تنشر مئات آلاف الجنود فيما يعرف بقوات حفظ السلام حول العالم، وتتحمل تمويلها، وهي أكثر تكلفة لا شك من عملية انتخابية في بلد محدود السكان تنهب موارده علنا! أقصد بإدارة العملية الانتخابية والإشراف عليها، وأن تقوم بالكامل بدور المفوضية ولجان الانتخابات، وتشكل قوة مسلحة لتأمين الانتخابات وحماية المترشحين والناخبين من دول محايدة في المسألة الليبية، كجنوب أفريقيا أو باكستان أو البرازيل أو كولومبيا وغيرها.
بذلك تتشكل سلطة تنفيذية بدعم شعبي واضح ويتشكل أيضًا مجلس تشريعي بإرادة الشعب الليبي، وعندها نضمن تحقيق بناء حكومة موحدة وبقاء ليبيا دولة واحدة ومشاركة الشعب الليبي في تقرير مصيره.
هذه السلطة الموحدة المنتخبة من الشعب الليبي تشكلت في جو من النزاهة والموضوعية وبعد تحييد دور المال الفساد وسلاح الميليشيات المنتشر، في واقع الأمر ستكون سلطة انتقالية تعمل على الدخول في المرحلة الدائمة، من مهامها الأساسية إصدار ميثاق وطني دائم “دستور” وتعد لإجراء انتخابات لبناء مؤسسات الدولة الدائمة على أساس ديمقراطي، وفي نفس الوقت تتولى معالجة الاختناقات الاقتصادية والأمنية وتعيد توحيد مؤسسات الدولة.