مقالات الرأي

تقرير المركزي.. عذر أقبح من الذنب 

بقلم/ ناجي إبراهيم

كلما يصحو المواطن من صفعة على قفاه يتلقى صفعة أخرى تعيده إلى غيبوبته التي يبدو أنه لن يفيق منها إلا على كارثة، كنت في هذا العدد سأتناول تصريحات النائب الأول لرئيس المجلس الرئاسي حول اعترافه وفي عقر دار الأمريكان بأن ليبيا محتلة، وكأن الأمر حدث للتو وكأنه يقود مظاهرة في شوارع واشنطن تندد بالاحتلال، متجاهلًا أو جاهلًا أنه المسؤول السياسي والتنفيذي الأول في البلاد، وما لم يذكره أنه ومع من ركبوا قارب فبراير ومن تولوا الحكم بعد 2011 هم من فتح الأبواب والنوافذ للتواجد الأجنبي المباشر وغير المباشر، وسمحوا للقناصل والسفراء بالتدخل في كل شأن محلي، حتى أنهم اختاروه ومن هم في السلطة اليوم مرة في الصخيرات وأخرى في جنيف، في تغييب تام وكامل للشعب الليبي، وتم تنصيبهم وفق شرعية الاحتلال، إلا أن ما جدَّ من تعديل جديد في سعر صرف الدولار وتخفيض سعر الدينار الذي صدر عن مصرف ليبيا المركزي تحت مبررات لا يقبلها العقل في اقتصاد ريعي كالاقتصاد الليبي، على عكس توقعات ورغبات المواطن الليبي الذي يتآكل دخله مع كل تدنٍّ في سعر الدينار ودون مراعاة لانعكاسات مثل هذه السياسات على الأسعار والتضخم وتفاقم الحياة المعيشية للمواطنين وعدم قدرتهم على مواجهة الارتفاع الجنوني للأسعار التي بتنا نشهدها قبل أن يجف حبر قرار المركزي لخفض سعر الدينار، وتبين مثل هذه الخطوات التي تتخذها السلطة التنفيذية أن المواطن آخر اهتمامات السلطة الحاكمة في شارع السكة ومربوعة عقيلة في القبة، المبررات التي ساقها المصرف المركزي ودعته إلى تخفيض سعر الدينار لا يوجد من بينها مبرر واحد يبرر تخفيض سعر الدينار، بل هي أسباب لرفع سعر الدينار أمام جميع العملات في نظام اقتصادي يقوم على بيع النفط واستيراد جميع السلع من شفرات الحلاقة إلى الطائرة.

من هذه المبررات الصرف المزدوج بدون وجود ميزانية معتمدة، ومنها العجز الذي تحققه الميزانية رغم إقراره بعدم وجود ميزانية لا أعرف كيف استطاع حساب العجز في ظل غياب الميزانية؟ ولماذا لم يلجأ المصرف إلى اقتراحات أخرى لتقليص العجز إن وجد دون المساس بقيمة الدينار الذي سيخرم جيوب كل من يحمله، بل ويقصم ظهره؟

إن سياسة اللجوء إلى تخفيض قيمة الدينار في كل مرة تواجه فيها الخزانة عجزًا في تلبية متطلبات الحكومة غير المبررة تعبر عن فشل الإدارة في إدارة الميزانية وغياب الرؤية الاقتصادية التي تبحث عن بدائل أخرى للنفط الذي يتعرض لتقلبات السوق العالمي وفق العرض والطلب والتحديات الأمنية والسياسية.

البنك المركزي مسؤول عن السياسات النقدية والاستشارات الاقتصادية للحفاظ على سعر العملة وحمايتها أمام التقلبات والتحكم في التضخم إلا أن ذلك لم يحدث ووجدناه يحمي الهدر للمال العام ويغطي على الفساد الحكومي.

كيف للمواطن الليبي أن يطمئن على ثرواته في أيادي الفاسدين؟ الصرف المزدوج في ظل غياب ميزانية تحدد أوجه الصرف فاقم الديون المترتبة على الجسم المالي وعمق الانقسام الإداري وفتح أبوابًا للفساد لا يمكن السيطرة عليها وإغلاقها، كان على الجهات الرقابية التنبيه لها والعمل على إيقافها قبل أن تستفحل وتوقعنا في سكة الديون الداخلية التي ستنتهي بنا إلى شباك صندوق الدولي والتي إذا وقعنا فيها -لا قدر الله- ستكون الحبل الذي سيقطم أعناقنا جميعًا وستكون المسمار الأخير في نعش (سيادتنا واستقلالنا المالي والاقتصادي) بعد أن فقدنا قرارنا الأمني والعسكري والسياسي، ويكتمل مربع الهيمنة الذي ستكون تكاليف الفكاك منه باهظة الثمن وسقفًا زمنيًّا لا نهاية له.

والعجز في الميزانية الذي سببه الهدر في المال العام والفجوة بين الإيرادات والمصروفات يمكن إيجاد الحلول لها بدون المساس بقيمة الدينار الذي تحول لمشجب تعلق عليه الحكومات فشلها في السيطرة على المصروفات، وكان ممكنًا اللجوء إلى إجراءات أخرى تلجأ إليها الحكومات لتقليص الفجوة بين الإيرادات والمصروفات ومنها التخلي عن سياسات الهدر للمال العام وخفض الإنفاق الحكومي، ووقف توريد السلع غير الضرورية ووقف الأنشطة الترفيهية، والتوقف عن توريد المركبات لبعض الجهات، والتوقف عن السفريات غير الضرورية، والأهم تقليص الجيوش الجرارة التي تغص بها السفارات والبعثات الدبلوماسية في الخارج، وخفض العاملين بالشركات الاستثمارية وخاصة منها التي لا تحقق أرباحًا، وإغلاق السفارات في عدد من الدول ويمكن الاستعاضة عنها بسفير أو قائم بأعمال غير مقيم، وإقفال القنصليات في البلدان التي لا يتواجد بها الليبيين، والأهم من هذا كله دمج الميليشيات وتقييد تحركاتها وتنقلاتها التي تحولت إلى سبب في هدر المال العام ووسيلة لابتزاز الأموال والأصول الثابتة، إذا كان الهدف هو توفير المال وإيقاف الهدر وغلق منافذ الفساد، أما إذا كان الأمر يتعلق بإملاءات خارجية ووصفات تقدمها المؤسسات المالية الخارجية وعلى رأسها الخزانة الأمريكية، فإن ذلك نذير شؤم وبداية الخطوات نحو ربط سياساتنا المالية بالفيدرالي الأمريكي وخضوعه لتقلبات الدولار، والاتجاه نحو الاستدانة من البنك الدولي وبذلك نكون قد دخلنا عش الدبابير الذي لا انفكاك منه، وسنجبر مرغمين على التسليم في قوة الليبيين الوحيد وهو النفط، وتعميم الفقر ليشمل الغالبية العظمى من المواطنين، هذا إذا كانت الحكومات تتعامل معنا على أننا مواطنون.

الذي يجب أن يفهمه الشعب الليبي ولن يسمعه من لسان أي مسؤول هو أن البنك المركزي كغيره من مؤسسات الدولة الليبية مختطف من الدول التي تهيمن على القرار السياسي والأمني في ليبيا ولن يعود إلى السيادة الليبية إلا بعودة السيادة كاملة للشعب الليبي.

زر الذهاب إلى الأعلى