قرارات ترامب تفجر مخاوف علمية من عودة الحرب التجارية
بقلم/ عثمان يونس
في خطوة مثيرة للجدل منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض حزمة جديدة من الرسوم الجمركية على الواردات إلى الولايات المتحدة، في عودة صريحة إلى سياسات الحماية التجارية التي تبناها خلال ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021.
وأكد ترامب أن الإجراءات الجديدة تهدف إلى “استعادة الكرامة الاقتصادية لأمريكا” وحماية الصناعات الوطنية من ما وصفه بـ«المنافسة غير العادلة». غير أن هذه الخطوة قوبلت بانتقادات حادة من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، فضلًا عن تحذيرات أطلقتها مؤسسات مالية كبرى بشأن تأثيراتها المحتملة على الاقتصاد العالمي.
وبموجب مرسوم رئاسي صدر في 2 أبريل، تم فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و49% على واردات قادمة من دول مختلفة، مع استثناءات محدودة لبعض الشركاء. وأوضح مكتب الممثل التجاري الأمريكي أن القرار جاء بعد مراجعة شاملة لما اعتبره اختلالًا في موازين التجارة وهيمنة بعض الدول على سلاسل الإمداد الحيوية.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه ترامب أن هذه الإجراءات ستعود بالنفع على العمال الأمريكيين، تشير التقديرات الأولية إلى نتائج عكسية. فقد قدرت غرفة التجارة الأمريكية أن متوسط إنفاق الأسرة الأمريكية قد يرتفع بنحو 950 دولارًا سنويًّا نتيجة زيادة أسعار السلع الإلكترونية والاستهلاكية. كما حذَّرت جمعيات الأعمال من أن آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على واردات من الصين وآسيا ستواجه زيادات في التكاليف قد تتجاوز 20%، ما يهدِّد بقاء العديد منها في السوق.
ولم تتأخر ردود الأفعال في الأسواق، إذ تراجعت أسهم شركات كبرى مثل “تسلا” و”آبل” و”فورد”، وانخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 3.1% خلال الأيام الثلاثة التي أعقبت القرار، بفعل مخاوف من تراجع القدرة التنافسية وارتفاع التكاليف.
دوليًّا، أعلنت الصين إجراءات مضادة، تمثلت في فرض رسوم انتقامية على منتجات زراعية وتقنية أمريكية، وهددت بتقليص التعاون الاقتصادي. أما الاتحاد الأوروبي، فوصف القرار الأمريكي بـ “الاستفزازي”، مشيرًا إلى إمكانية اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية، وربما اتخاذ إجراءات مماثلة.
وشهدت البورصات العالمية تراجعات واضحة، إذ انخفضت مؤشرات طوكيو وفرانكفورت وهونغ كونغ بنسبة تراوحت بين 1.5% و2.7%، وسط حالة من القلق المتزايد من اتساع رقعة الحرب التجارية.
وعلى الرغم من أن الدول العربية ليست مستهدفة بشكل مباشر بهذه الرسوم، فإن التداعيات الاقتصادية تبدو حتمية. إذ يُتوقع أن يؤدي تراجع الطلب العالمي إلى انخفاض أسعار النفط، ما قد يؤثر على العائدات النفطية للدول المصدِّرة. كما أن الصادرات الصناعية والزراعية الموجهة إلى أوروبا وآسيا قد تتضرر بفعل تباطؤ التجارة وارتفاع تكاليف الشحن.
وتعزز أجواء عدم اليقين من تحفظ المستثمرين، ما قد يؤدي إلى تأجيل أو تجميد مشاريع في دول مثل مصر والسعودية والمغرب. في المقابل، قد تستفيد بعض الدول العربية كمراكز بديلة للإنتاج أو كممرات لوجستية جديدة إذا ما أحسنت استغلال التحولات الجارية في سلاسل التوريد العالمية.
في 3 أبريل، أصدر صندوق النقد الدولي بيانًا أعرب فيه عن “قلقه العميق من السياسات التجارية الانفرادية”، محذرًا من أن استمرار هذه التوجهات قد يخفض معدل النمو العالمي بنسبة 1.1% خلال العامين المقبلين. كما قدَّرت مجموعة “مورغان ستانلي” في تقرير لها أن تطبيق الرسوم الجديدة قد يقتطع ما بين 0.5% و0.7% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، ما لم يرافق ذلك توسع كبير في الإنتاج المحلي.
أما محللو “بلومبيرغ”، فقد اعتبروا أن السياسات الحمائية في ظل تبعات جائحة كورونا وتزايد معدلات التضخم قد تدفع نحو مزيد من الركود، بدلًا من تحقيق الانتعاش الاقتصادي المنشود.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض لا تعني فقط تغيرًا في القيادة، بل أيضًا عودة إلى نهج المواجهة التجارية، وسط عالم أشد هشاشة وترابطًا مما كان عليه قبل سنوات. وبينما يدافع الرئيس الأمريكي عن هذه القرارات بوصفها وطنية وضرورية، يبقى السؤال قائمًا: هل تعزز هذه الرسوم الاقتصاد الأمريكي حقًّا، أم أنها تفتح الباب لفصل جديد من الاضطرابات العالمية؟