-ملفات وتقارير

عودة الصراع المسلح بين مليشيات المنطقة الغربية

تقرير – سيد العبيدي

ما تلبث أن تهدأ الأوضاع قليلًا حتى تعود إلى الانفجار مرة أخرى بوتيرة أعلى في مدن المنطقة الغربية التي تسيطر عليها ميليشيات مسلحة خارجة عن القانون تتبع سلطة كيانات سياسية فاقدة للشرعية الدستورية، متمثلة في “المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة” منتهية الولاية.
جاء ذلك على وقع تحركات عسكرية قادمة من مدينة مصراتة، وتحشيدات مسلحة على تخوم العاصمة طرابلس، بالتزامن مع اندلاع اشتباكات أخرى مسلحة في مدينتي الزاوية وصبراتة، أدت إلى سقوط عدد من الضحايا من الشباب، ناهيك عن إفساد فرحة المواطنين بعيد الفطر المبارك وتوقف الصلاة في ثلاثة مساجد في مدينة صبراتة بسبب ضراوة القتال المسلح بين الميليشيات الخارجة على القانون.

خلفية التوتر الأمني المسلح غرب البلاد

تشهد ليبيا منذ أكثر من عقد من الزمان حالة من الفوضى السياسية والأمنية التي تفاقمت بعد سقوط النظام الوطني عام 2011، ما أدى إلى غياب الدولة المركزية، وقد أوجد ذلك فراغًا أمنيًّا واسعًا، استغلته المجموعات المسلحة لتعزيز نفوذها في مختلف المدن، خصوصًا في الغرب الليبي. في هذا السياق، تأتي الاشتباكات الأخيرة التي اندلعت في مدينتي صبراتة والزاوية، إلى جانب سلسلة من عمليات الاغتيال التي حدثت خلال أيام عيد الفطر المبارك.

تحركات عسكرية مفاجئة من مصراتة

إلى ذلك ذكرت وسائل إعلام محلية أن رتلًا مسلحًا تابعًا لما تُعرف بميليشيا “القوة المشتركة”، بقيادة عمر بوغدادة، كان مدعومًا بالدبابات ومدافع الهاون، تحرك من مصراتة باتجاه طرابلس، فيما قالت ميليشيا “لواء المرسي – سرية الموت” في مصراتة إن التحرك الأخير ضمن ما سمتها “خطة عملياتية مُحكمة، تهدف إلى دعم الاستقرار وفرض الأمن في مناطق التمركز الحيوية”، وفق حسابها الرسمي بموقع “فيسبوك”.

وقال شهود عيان إن أرتالًا عسكرية مدرعة تحمل أسلحة ثقيلة من بينها دبابات تابعة لقوة العمليات المشتركة، شوهدت تتحرك من مدينة مصراتة باتجاه طرابلس. وأشار شهود العيان إلى أن هذه القوات بقيادة عمر بغدادة “آمر القوة المشتركة في مصراتة”، تتجه نحو مقر جهاز الأمن الخارجي السابق، مع وجود معلومات عن “نوايا لإزاحة رئيس الجهاز حسين العايب، من منصبه”.
من جهتها أوضحت وسائل إعلام محلية أن “هذه التحركات تأتي في ظل تصاعد التوتر الأمني في طرابلس”، مضيفة أن “مراقبين يعتبرونها تحديًا مباشرًا لقرارات المجلس الرئاسي، الذي شدد على ضرورة التنسيق المسبق لأي تحرك عسكري داخل العاصمة”. وتزامنت هذه التطورات مع حملة إعلامية مكثفة تستهدف قيادات أمنية بارزة، ما يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه التحركات، وما إذا كانت جزءًا من صراع أوسع على النفوذ داخل طرابلس، فيما لم تصدر الجهات الرسمية أي تعليق حول هذه المستجدات، وسط حالة من الترقب لتطورات الموقف، ومخاوف من تداعيات أمنية محتملة على استقرار العاصمة.

خلافات بين المنفي والدبيبة

حول ذلك كشفت مصادر مطلعة عن وجود خلافات كبيرة بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة منتهية الولاية عبدالحميد الدبيبة، بسبب التحركات العسكرية الأخيرة التي أتت بأوامر من الدبيبة التي يراها المنفي تهديدًا لحلفائه من جهازي الردع والمخابرات العامة الليبية.

وشدد بيان صادر عن المجلس الرئاسي الليبي على “دوره في الإشراف الكامل، والتوجيه المباشر لكافة العمليات الأمنية والعسكرية”، مؤكدًا أن “خرق التعليمات يعرض مرتكبيه للمساءلة القانونية”، ودعا جميع الأطراف لـ”الالتزام الصارم بالضوابط والتعليمات المنظمة للعمل الأمني والعسكري”.

وحسب مراقبين، فإن هذا التصعيد تزامن مع الاحتفال بعيد الفطر داخل مقر مركز تدريب عسكري في مصراتة، حضره رئيس أركان القوات التابعة لحكومة الوحدة، محمد الحداد، وفق بيان لرئاسة الأركان، علمًا أن “رئيس بعثة التدريب العسكرية التركية في ليبيا” كان من بين الحاضرين.

مساعٍ مشبوهة من أطراف داخلية وخارجية

وفي سياق الأحداث حذر ما يعرف بمجلس “ثوار مصراتة” من تحركات القوة المشتركة المدعومة من قوى خارجية لفرض أمر واقع في طرابلس.

وقال إن ليبيا ليست للبيع، وإن هناك مساعي مشبوهة من أطراف داخلية وخارجية لتمرير مشروع سياسي مرفوض، مستنكرًا صمت رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة لما يحدث من تحشيدات عسكرية، وزيارته الأخيرة لدولة الإمارات.

ودعا ما يعرف باسم “مجلس ثوار مصراتة” كافة القوى الوطنية إلى التكاتف لرفض ما وصفوه بالخيانة والحفاظ على سيادة البلاد واستقرارها.

اشتباكات للسيطرة على مصفاة الزاوية

وفي سياق متصل اندلعت فجر السبت اشتباكات عنيفة، بين الميليشيات المسلحة في مدينة الزاوية في محاولة للسيطرة على مصفاة تكرير النفط، وسط مخاوف من تضرُّر الخزَّانات وإصابة خطوط الغاز، ووقعت الاشتباكات بين قوات “المنطقة العسكرية الساحل الغربي” التي يرأسها صلاح النمروش وميليشيا “القصب” التي يقودها محمد كشلاف، حيث يسعى كل طرف إلى بسط نفوذه على المصفاة، وسط أنباء عن سقوط قتلى.

والجمعة، تمكنت ميليشيا “القصب” من السيطرة على مصفاة الزاوية وطرد قوات النمروش، قبل أن يعود الأخير فجر السبت، في محاولة لإعادة بسط نفوذه على المصفاة.

واستخدمت في هذه المواجهات التي تدور في محيط مصفاة الزاوية وقرب تجمُّعات سكنية، كل أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، حيث وثَّقت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، أصوات قنابل يدوية وقذائف صاروخية تم تبادلها من الجانبين، وسط غياب تام للأجهزة الأمنية والعسكرية.

مواجهات أخرى بالزاوية بين المهربين

وداخل مدينة الزاوية، تتواجد وتتنافس مجموعات مسلحة امتهنت تهريب الوقود المدعم، ما زاد من قوتها المالية والعسكرية، وأدى إلى وقوع اشتباكات متكررة زادت وتيرتها وحِدَّتها خلال السنوات الأخيرة.

وتجري الاشتباكات وسط توتر وانفلات أمني متصاعد غرب ليبيا، يقابله غياب حلٍّ سياسي شامل ينهي الانقسام والفوضى ويعيد توحيد المؤسسة الأمنية والعسكرية في البلاد.

وأفاد شهود عيان بأن الاشتباكات تمركزت في مناطق مكتظة بالسكان، خاصة في “الحرشة” ومحيط “شارع عمر المختار”، حيث سُمع دوي الانفجارات وتبادل النيران منذ ساعات الصباح الأولى. وسُجلت إصابات في صفوف المدنيين، بينهم أطفال، نتيجة القصف العشوائي وسقوط القذائف.

اشتباكات دامية في صبراتة

وفي مدينة صبراتة تفجَّر المشهد مع اندلاع اشتباكات دامية بين ميليشيات مسلحة تتنافس على السيطرة على طرق التهريب والمعابر. وقالت مصادر محلية إن اشتباكات عنيفة اندلعت، الجمعة، بين ميليشيات “العمو” وميليشيات “الفلاح” التابعة لقوة الردع، بقيادة عبدالرؤوف كاره، ما أثار حالة من الذعر والهلع في صفوف المدنيين.

وتقع مدينة صبراتة غرب العاصمة الليبية طرابلس، بالقرب من الحدود الغربية للبلاد، وهي منطقة تتصارع عليها ميليشيات تعتمد في تمويلها على تسهيل عمليات تهريب المهاجرين غير الشرعيين، وترتبط هذه الميليشيات بشبكة معقدة من توازنات القوى في الغرب، وكذلك بخلفيات قبلية تزيد من حدة المنافسة.

وأوضح شهود عيان أن حدَّة الاشتباكات تصاعدت بعد دخول ميليشيات من مدينة الزاوية على خط الأزمة، حيث قدَّمت ميليشيات “الفار” دعمًا لميليشيات “العمو”، في حين ساندت ميليشيات “الكابو” ميليشيات “الفلاح”، ما وسَّع رقعة المواجهات التي استُخدمت فيها أسلحة متوسطة وثقيلة داخل أحياء سكنية.

خلفيات الصراع غرب البلاد

وتتكرر مثل هذه المواجهات المسلحة في مدن غرب ليبيا، وبخاصة كلما تصاعدت الضغوط الدولية والإقليمية لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية، وتندرج الاشتباكات الأخيرة ضمن صراع النفوذ بين الميليشيات المنتشرة في المناطق الساحلية، كصبراتة والزاوية، على السيطرة على المعابر، وطرق التهريب، وبعض المرافق الأمنية التي تحوّلت إلى بؤر للنفوذ الميليشياوي.

وتسيطر ميليشيات “العمو” على مواقع استراتيجية في صبراتة، فيما تسعى ميليشيات “الفلاح”، بدعم من قوة الردع، إلى فرض سيطرتها على تلك المواقع، ما أدى إلى تفجُّر القتال.
وتعاني مدينة صبراتة، كغيرها من مدن الغرب الليبي، فوضى أمنية مزمنة بسبب غياب الدولة المركزية وتداخل الصلاحيات، ما مكَّن الجماعات المسلحة من فرض سيطرتها وتحويل المدينة إلى ساحة لصراعات النفوذ والابتزاز.

اشتباكات سابقة في صبراتة

وفي 28 أغسطس الماضي، اندلعت اشتباكات بين مجموعات مسلحة تنتمي إلى عائلتين في صبراتة، واستمرت يومًا قبل أن تعلن مديرية أمن صبراتة توقفها، وطلبت ممن لحقت بهم أضرار مادية جراء الاشتباكات التوجه إلى مراكز الشرطة المختصة، لاتخاذ الإجراءات القانونية.

وقد وقعت هذه الاشتباكات بعد شهر واحد من تحذيرات سابقة صدرت عن المديرية من انتشار وتزايد ظاهرة حمل السلاح في المدينة، وقالت حينها إنها رصدت واقعتي قتل خلال 24 ساعة راح ضحيتها شابان في مقتبل العمر، موضحة أنها لاحظت أنه على الرغم من اختلاف ملابسات الحادثتين، فإن السبب وراءهما واحد، ويتعلق بـ”الاستعمال الخاطئ للسلاح”، حيث لم يكن هناك تعمد للقتل.

مجلس حكماء صبراتة يعلن “فض النزاع”

وفي السياق أعلن مجلس حكماء وأعيان صبراتة، الجمعة، “فض النزاع” الذي وقع في منطقة الخطاطبة، دون الإفصاح عن تفاصيل بشأن أطراف النزاع أو ما ترتب عنه.

وقال في بيان مقتضب: “جرى وقف إطلاق النار، وفض النزاع بين الطرفين بالخطاطبة، وتدخل قوة محايدة من مديرية أمن صبراتة وجهاز القوة المساندة”.

وفي وقت سابق، قرر مكتب الأوقاف والشؤون الإسلامية صبراتة عدم إقامة صلاة الجمعة في ثلاثة مساجد “من أجل حفظ الأنفس وسلامة المسلمين، ونظرًا إلى ما تمر به المدينة، ومنطقة الخطاطبة خصوصًا”. وقال المكتب إنه نظرًا إلى ما تمر به المدينة ومنطقة الخطاطبة خصوصًا لن تقام الصلاة في مساجد “الخطاطبة الشمالي وعبدالله بن عباس وحمزة بن عبدالمطلب”.

زر الذهاب إلى الأعلى