مقالات الرأي

طرابلس.. الحرب أو الحرب

بقلم/ عفاف الفرجاني

تعود ميليشيات المنطقة الغربية إلى نقطة اللاعودة، في مشهد تراجيدي يشبه رقصة الديك المذبوح لحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، في محاولة منها لاستعادة توازنها السياسي دوليًّا ومحليًّا، حلفاء الأمس أيقنوا أن تحالفهم لم يكن إلا مع الحلقة الأضعف، وبقاء هذه الحكومة ما هو إلا رهن الوقت.

المجتمع الدولي، خصوصًا بعد الحرب الأوكرانية الروسية، أدرك أن الحروب لا تصنع اقتصادًا لمستقبل الدول، وأنها لا تجلب إلا الخسارة.ليبيا إحدى بؤر الصراع السياسي والأمني في العالم، إلا أنها تمتلك مقومات اقتصادية هائلة، أنظار العالم تتجه ببوصلة اهتمامها نحو الجانب المضيء من ليبيا، حيث القيادة تعزز الأمن والاستقرار في الجانب الشرقي والجنوبي من البلاد.

في تقديري، فشل قادة العالم في اتباع سياسة “وضع اليد” و”الأرض المحروقة”، إذ باتت تلك السياسات ميثولوجيا سياسية، الرابح فيها خاسر، في المقابل، وعلى صعيد خاص، استطاعت القيادة المتمثلة في القوات المسلحة الليبية أن تدير الملف الليبي بحنكة سياسية وأمنية، حتى جعلت المجتمع الدولي يقيم لها وزنًا.

وعلى رأس ذلك جاءت قرارات ترامب المجحفة في حق بعض الدول التي تدَّعي السيادة. فهذه القيادة العسكرية ترفض الدخول في صراع المحاور، سواء الدولية أم المحلية، وتسير بخطى الشراكة البراغماتية مع كل الأطراف المتداخلة في ليبيا، دون المساس بسلطة قرارها السياسي الذي يعزز مكانتها دوليًّا وإقليميًّا. من كانوا يزكون الأزمة من المتداخلين الأجانب لصالح بعض الأطراف للبقاء في السلطة، هم اليوم أمام خيار واحد، وهو الخيار الصحيح: خيار القوات المسلحة ومناطق نفوذها. فقد أصبحت المنطقة الغربية بيئة طاردة لأي نشاط اقتصادي دولي، نتيجة للانقسامات الداخلية والمشاكل الخارجية.

وهذا ما وضع عبد الحميد الدبيبة أمام خيار واحد: خوض المعركة بغية تشكيل قوة موحدة يستطيع من خلالها توجيه رسالة للمجتمع الدولي بأنه ما زال قادرًا على البقاء في السلطة، وقادرًا على الشراكة.

هذه المعركة، إن قامت، فلن تكون حرب استنزاف للميليشيات فقط، بل ستكون كارثة ضد المدنيين العزّل. اليوم، يشهد الغرب الليبي تحالفات جديدة بين المجموعات المسلحة، وقد انقسمت إلى طرفين: الطرف الأول يدعم الدبيبة وعصابته من الحكومة، وأجنحتها العسكرية تشمل غنيوة الككلي، عماد الطرابلسي (المتحجج بوزارة الداخلية)، محمد بحرون (الفار)، عبد السلام زوبي، وعمر بوغدادة.

الطرف الثاني يضم شخصيات لها ثقل أمني وأيديولوجيات متطرفة تخدم مصالحها المتعارضة مع حكومة الدبيبة، مثل عبد الرؤوف كاره (آمر ميليشيا الردع)، أسامة الجويلي، بشير خلف الله (البقرة)، وهيثم التاجوري الذي فقد نفوذه كآمر لميليشيات “ثوار طرابلس” في حرب 2019 ضد القوات المسلحة.

لو استمرت المناوشات كما يخطط لها الدبيبة ودخلت حيِّز التنفيذ، فلن تتوقف، لأن كل الأطراف لا تحمل عقيدة، بل تبحث عن الوجود. المخيف في الموضوع أن هذه الحرب ستدخل سياق الحرب الجوية، إذ رصدت مصادر أجنبية، ومنها البعثة العسكرية البحرية الأوروبية (عملية إيريني)، أن هناك عددًا من الرحلات الجوية دخلت إلى ليبيا خلال العام الماضي، تم من خلالها توريد المسيَّرات، بعد فحص أكثر من 1300 رحلة جوية في إطار الرصد والمراقبة.

وأكدت مصادر محلية وجود نشاط غير معتاد ومشبوه في قواعد جوية غرب ليبيا، تحديدًا مطار معيتيقة، مع نشاط عسكري تدريبي، حسب ما أكده شهود عيان.هذا السباق نحو “التفوّق الجوي” سيقودنا إلى حرب طاحنة في أي وقت. إن دخول الميليشيات في حرب ومعهم هذه المرة المسيَّرات لن يكون إلا كارثة، فقد تم استخدام المسيَّرات سابقًا، ونتج عنها خسائر في الأرواح والممتلكات، رغم كون استخدامها كان محدودًا.

ليبيا ليست بمعزل عن المتغيرات الدولية والإقليمية، فهي محور صراع بين قوتين أساسيتين: أمريكا وحلفائها من الاتحاد الأوروبي، وروسيا وحلفائها. ولن يكون لشعار حماية المدنيين، مكان في هذه الحرب.

اليوم، وبعد فشل كل الحلول السياسية الممكنة، وتغوُّل الميليشيات، وتمسُّك الدبيبة بالسلطة، وانتقال الصراع يزداد المشهد تعقيدًا.

ولتجنُّب ليبيا هذه الحرب المجنونة، يجب على المنظمات الدولية والمحلية والقوات المسلحة والبرلمان الضغط على مجلس الأمن للتدخل السريع والعاجل، لوقف هذه الحرب، ولو استدعى الأمر إحضار أمراء الميليشيات بالكامل بمذكرات إنتربول للمساءلة.

زر الذهاب إلى الأعلى