مقالات الرأي

العودة إلى الوطن بعد قرون.. حق أصيل أم تهديد للهوية؟ – الجزء الأول

بقلم/ عبدالمجيد قاسم

في كلِّ مرة يُفتح فيها ملف أبناء المهاجرين وحقهم في العودة إلى أوطان أجدادهم، تنقسم الآراء بين من يراها استحقاقًا طبيعيًّا ومن يعدها مسألة تهدد التوازن السكاني والهوية الوطنية، وهذا أمر متكرر ومشاهد في عديد من دول العالم.

ليبيا ليست استثناءً، فالشعب الليبي لديه امتدادات اجتماعية وأواصر قربى في دول الجوار بسبب ما تعرض له من موجات نزوح عبر تاريخه نتيجة الحروب الأهلية، ونتيجة سياسات المستعمر تجاهه، ونتيجة أيضًا لسنوات القحط والجفاف.

فالليبيون وفق التركيبة السكانية الموجودة حاليًا تعرضت جماعات منهم للتهجير والنزوح القسري في العهد العثماني الأول، وفي عهد القرمانليين، وكذلك العهد العثماني الثاني، ثم أخيرًا في العهد الإيطالي.

لذا ما إن تكونت الدولة الليبية بشكلها الحديث حتى أخذ أمر معالجة وضع المهاجرين الليبيين حيزه في تشريعاتها المتعلقة بالجنسية، وقد مرت هذه المعالجة بمراحل متعددة، بدأت بمعالجة قضية المهاجرين الذين غادروا البلاد في فترة الاحتلال الإيطالي.

فإثر الاستقلال صدر قانون الجنسية الليبية عام 1954م ليمنح المهاجرين في زمن الاحتلال الإيطالي حق اختيار الجنسية الليبية، وهو أمر منطقي لأن هؤلاء بمثابة نازحين اضطرتهم الظروف القاهرة إلى الخروج من ليبيا، بل إن الملك نفسه كان ممن هاجروا خلال فترة الاحتلال، ما جعل الأمر حينها أقرب إلى رد الأمور إلى نصابها.

وقد اقتصر منح الجنسية بقوة القانون، على المواطنين الموجودين في ليبيا وقت صدور الدستور الأول للدولة في العام 1951م، (جنسية التأسيس)، وكذلك الذين هم من أصل ليبي وولدوا فيها وهاجروا قبل صدور الدستور، أو من ولد خارجها وكان أبوه أو جده الأول لأبيه ولد فيها، (الجنسية الأصلية) وقد أعطى القانون لهذه الشريحة الأخيرة حق اختيار الجنسية لمن قرر العودة إلى ليبيا.

لكن مع مرور الوقت، بدأت نظرة الدولة إلى الجنسية تتغير، ففي عام 1981م، استبدل بمسمى “الجنسية الليبية” “الجنسية العربية”، في خطوة عكست توجهًا أوسع لاحتضان ذوي الأصول الليبية من خارج البلاد، فهذا القانون أعطى الحق في الحصول على الجنسية لذوي الأصول الليبية دون استثناء، فاتسعت بذلك دائرة العائدين من المهجر.
بمعنى أن ليبيا في ذلك الوقت اتخذت منحى أكثر شمولية ومرونة تجاه ذوي الأصول الليبية، وهذا نتيجة المنحى القومي الذي عكسه اسم القانون.

وبحلول العام 2010م تغيرت السياسة مجددًا، وعادت الجنسية الليبية إلى نطاقها الضيق، ليقتصر منحها بقوة القانون، على الليبيين الموجودين في ليبيا وقت صدور الدستور، والمهاجرين الذين غادروا خلال فترة الاحتلال الإيطالي، وأبنائهم وأحفادهم المباشرين، مستبعدة من عداهم من ذوي الأصول الليبية.

وقد أدى هذا التغير في مفهوم العائد من المهجر إلى معضلة جديدة، فهناك الآلاف من أبناء القبائل الليبية الذي قدموا إلى ليبيا بوثائق عودة، وقطعوا صلتهم بالبلدان التي جاؤوا منها، رغبةً في الاستقرار في ليبيا كمواطنين، وتم تسجيلهم في سجلات العائدين من المهجر، وتم منحهم أرقامًا إدارية، لكنهم لم يستوفوا شروط الحصول على الجنسية الأصلية وفقًا للقانون الصادر في العام 2010م، فالقانون لا يعترف بهم كليبيين، وإن كان يفتح لهم باب الحصول على الجنسية كأجانب، وفق شروط تخضع لتقدير السلطات.

وهذه المشكلة لا تزال قائمة، فعدد كبير من الأسر تعاني مشكلة حقيقية بل ومزدوجة، فلا هم قادرون على العودة إلى البلدان التي أتوا منها لعدم وجود وثائق ثبوتية ووثائق سفر تمكنهم من العودة، ولا الدولة الليبية تستطيع ترحيلهم لأنهم يعدون أجانب عن البلدان التي أتوا منها، بل وتنظر إليهم حكومات تلك البلدان على أنهم ليبيون، هذا فضلًا عن تكون الانتماء إلى ليبيا كوطن حقيقي لدى أبناء هذه الشريحة بولادتهم فيها، ومعيشتهم على أرضها.

لذا على الدولة الليبية وضع المعالجات السريعة واللازمة لحل هذه المشكلة، وعدم تركها دون معالجة، لأن مثل هذه الإشكاليات هي ككرة الثلج تكبر يومًا بعد يوم، وللحديث تتمة.

زر الذهاب إلى الأعلى