ما الإنسان؟ المداخلة الحادية عشرة: “في الكينونة”

بقلم/ مهدي أمبيرش
نتابع من خلال هذه المداخلات، البحث ضمن السؤال الفلسفي الكبير (ما الإنسان؟)، وقد سبق أن ذكرنا أن اللسان العربي البياني، لو توقفنا للتفكير فيه، كان بالتأكيد سيوصلنا إلى الكشف عن منهج تفكير وفلسفة عربية خالصة، تخلصنا من متاهة التفكير الأعجمي واللاهوت المشرك.
كما ذكرنا أنه منذ بداية التفكير الإنساني، من آدم عليه السلام، إلى اليوم كانت الأزمة، أزمة معرفية، ورغبة الإنسان المحدود أن يمتلك المطلق، أو الحقيقة، وذاك التخبط القديم المتجدد حتى اليوم والصراعات التي تدور، إنما تدور في محصلتها حول هذه الأزمة، وعجز الإنسان عن إدراك المطلق سيقوده بداهة إلى توهم أن المحدود هو المطلق، فيرتكس بالعودة إلى الخلف على أساس أن المتحقق هو الحقيقة، وأن المحدود هو المطلق، حتى أن ما يوصف بالسلفية الظاهرة العامة في منهج التفكير المتأزم ليس إلا تمظهرًا لهذا العجز، وأن تبرير هذا العجز بمظلة السلف أو المعتقد لا يرسخ إلا هذه الأزمة.
وتاريخيًّا قدم الإغريقي هزيود، حوالي 800 سنة قبل الميلاد، في كتابه (الأعمال والأيام)، أنموذجًا لهذا النمط من التفكير الارتكاسي السلفي، كما قدم الإيطالي ميكافللي أنموذجًا آخر، إضافة إلى أطروحة الدورات التاريخية، كما أن من مظاهر هذه الأزمة المعرفية، ما يسمى بالواقعية، كما المدرسة المادية الفرنسية والإنجلوأمريكية، ونموذج آخر لهذه الأزمة ما يسمى باليوتوبيا، أي تصور عالم افتراضي في لا مكان ولا زمان في الفكر القديم، واليوم في ما يسمى بالأفاتار، وهو مصطلح من اللغة السنسكريتية، الهندية، وقد بدأ استخدام هذا المصطلح حديثًا، وفي أصله الهندي الديني هو تجسيد الإله، في استخدامه الحديث إمكانية تحقق العالم الافتراضي، وإن كانت هذه كلها لا تحل مشكلة الإنسان التي نرى أن اللسان العربي والبيان القرآني ما يحل هذه الأزمة، ومن خلال مقارنة الإجابة عن السؤال ما الإنسان.
لقد تناولنا في المداخلات السابقة مصطلح الله موجد الوجود الذي خلق الوجود، وأن العدم هو علم أو هو الموجود الحقيقي الذي يظهر الله منه الوجود، وأن الموجود، هو بعض الوجود أو دليله، وليس مطلق الوجود، وبعبارة أخرى أن الوجود هو الحقيقة التي أوجدها الله الحق وهي العلم، وأن الإنسان لا يدرك من الوجود إلا الموجود، ومن العلم إلا المعرفة، لهذا توقفنا (إنّ) في العربية وقلنا إن (إنّ) إنما تؤكد الموجود بالذي هو موجود، كالمثال الذي ذكرناه إن محمدًا في الفصل، فنحن نؤكد موجودية محمد في هذا المحدود الظرفي لا قبل أن يكون في الفصل أو بعده، وأن النصب في إن هو وضع محمد داخل المحدود المنطقي، على أساس أن النون تدل على الموجود، وأن مضاعفة النون تؤكد هذه الموجودية ضمن المحدود الظرفي، ثم انتقلنا إلى كان التي سوف نواصل الحديث حولها.