مقالات الرأي

الفن الهادف

المهدي الفهري

تسليط الضوء على السلبيات فقط قد يحبط المواطن ويجعل منه إنسانًا فاشلًا في وقت يحتاج فيه إلى جرعات من الأمل والحلم واستعادة الإضاءات الإبداعية التي تضفي عليه مسحة ولمسة من الابتسامة والغبطة، وتعيد إليه ثقته بنفسه، وتخلصه من شبح الحيرة والشك، فعندما يتجرد الإنسان من إنسانيته يصبح إنسانًا بلا هدف، ويتحول إلى إنسان تائه بدون قضية، ولا يختلف كثيرًا عن أي مخلوق آخر.

واعتزازنا بإنسانيتنا يعزز من ثقتنا في أنفسنا ويدفعنا إلى المحافظة على الجانب الإيجابي المقابل للجانب السلبي الذي يريد بعضنا طمسه وإخفاءه، وبما أن الفن رسالة ومعرفة وثقافة وصقل للطاقات والمواهب، وليس وسيلة حياة، فإن الشخصية الفنية ينبغي أن يكون لها عمق في التفكير فيما يدور حولها وفي محيطها وفي محاكاة مشاعر الناس وملامسة مشاكلهم ومشاركتهم في إيجاد حلول لأزماتهم، وعدم الاكتفاء بالنقد أو اعتماده كمهنة، وإزاحة أثر الحزن وآثار الحرقة التي تطغى على تفكيرهم وتنغص حياتهم، وتتطلب من الفنان مضاعفة الجهد والبحث في أعماق التراث العريق عن شحنات إيجابية ترفع من معنوياتهم، فتراثنا غني جدًّا ومُلهم ومتنوع، ولا يجب أن يكون أسيرًا لنمط وطيف واحد، ولا أن يُقدم بلغة خشبية خشنة بعيدة كل البعد عن المنطق والواقع، فالجميع مل من الأساليب التقليدية ذات الشعارات العاطفية المستهلكة ويبحث عن معنى يتعاطى مع التجديد ويتناغم في نفس الوقت مع آفاق الرسم على الذاكرة والإصرار على استمرار الحياة والتعاطي مع ظروفها رغم صعوبتها.

وبما أن المسرح علامة من علامات نهوض الأمم والشعوب، فإن الشعر هو خلاصة المعرفة، وهو الطريقة التي يتعرف بها الشاعر على نفسه في محاورة الذات، وهو أيضًا شكل من أشكال الفن الأدبي الذي يتفاعل مع محيطه ويعطيه الأمل من خلال الإحساس والشعور والاستجابة لمعطيات هذا المحيط، والشاعر بطبيعته إنسان متمرد يمزج في أبياته بين عمق اللغة وجمال المعنى، ويجمع في قصائده بين عشق الشعر وإتقانه، وترفع كلماته وأشعاره الهادفة من حجم الثقة والاعتزاز بالنفس، وتنمي فينا الحلم الجميل، وتفتح الآفاق الواسعة لاكتشاف قيمة الإنسان المغيبة والمفتقرة إلى الترفيه والتنفيس وإعادة ترميم الوجدان، وتزيح كل ما يضع سقوفًا أمام خياله وإبداعاته لتصنع منه إنسانًا رقيقًا وراقيًا، يحمل في جيناته حب الآخرين والتفاعل معهم، فالإنسان يستمد طاقاته من لحظات المرح والشعور بالنشوة كما يستمدها من الطعام وغيره من العناصر الأخرى، وعلاج الأزمات النفسية والصحية لا يكتفي اليوم بالعلم فقط، بل بالفن كذلك كما ثبت أخيرًا.

ما أجمل أن نوظف كل أدوات ووسائل الفن في خدمة قضايانا، وأن نملك فنًّا يكون مصدرًا للتعقل والمسؤولية، ويقدم أمثلة للتعايش والحوار، ولا يغامر بحياة الناس، فنًّا يحمل هموم الوطن وآمال المواطنين، فنًّا ينشد ويتغنى بالحب والجمال، ويسهم في توعية وإنقاذ الملايين من البشر من الضياع، فنًّا نبيلًا وأصيلًا، له أبعاد ومضامين إنسانية، وإذا كان الفن الهابط هو الفن الفاقد للإبداع والأصالة والذوق الرفيع فإن الفن الهادف والراقي هو الفن الذي يفرض نفسه على الذوق العام ولا ينفصل عن الواقع ولا يتنكر أبدًا لأهله وجذوره وأصالته، وكل عام والجميع بخير.

زر الذهاب إلى الأعلى