الرافال وخان الخليلي.. لماذا يزور ماكرون مصر في هذا التوقيت الحساس؟
بقلم/ مونيكا عياد
“بين طائرة الرافال وخان الخليل والانتقال إلى رفح.. نقدم قراءة في الزيارة التي أعادت مصر إلى قلب المعادلة الدولية”.
في لحظة نادرة تجتمع فيها السياسة مع القوة الناعمة، اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يهبط بطائرته في القاهرة محملاً بأسئلة مصيرية: هل تستطيع أوروبا أن تلعب دوراً مستقلاً عن واشنطن في أزمات المنطقة؟ وهل تمتلك مصر مفاتيح الحل لأخطر أزمتي القرن؛ غزة وأمن البحر الأحمر؟
تحولت زيارة ماكرون الرسمية إلى مصر إلى حدث استراتيجي بامتياز. فخلف المصافحات الرئاسية واتفاقيات التعاون، كانت هناك رسائل مبطنة:
- فرنسا تبحث عن موطئ قدم في منطقة بدأ النفوذ الأمريكي يتراجع فيها.
- مصر تعرض نفسها كوسيط لا غنى عنه، لكن بشروط: وقف التهجير القسري للفلسطينيين أولاً.
ولم يكن اختيار البداية بجولة في خان الخليلي عبثياً، حيث تم انتقاء هذا المكان لعدة أسباب:
- الرسالة السياسية: “مصر الآمنة المستقرة” في مواجهة صورة “الشرق الأوسط المضطرب”.
- الحسابات الاقتصادية: ترويج سياحي ذكي لمصر، خاصة قبل افتتاح المتحف المصري الكبير رسمياً في ٣ يوليو المقبل.
- الرمزية التاريخية: اختيار مقهى نجيب محفوظ كإشارة ذكية إلى أن الثقافة قد تكون جسراً عندما تعجز السياسة.
فقد كان الكاتب الحائز على جائزة نوبل يرى في فرنسا جسراً بين الشرق والغرب. اليوم، تعيد مصر إحياء هذه الرؤية.
ويرى محللون أن العشاء في خان الخليلي كان رسالة للشارع الأوروبي: “مصر ليست مجرد حامية للحدود، بل حارسة للتراث الإنساني”.
الجزء الأكثر إثارة في الزيارة كان التوجه إلى رفح، حيث المعضلة الأوروبية تتمثل في الرغبة في إظهار الاستقلالية عن السياسة الأمريكية، مع الخوف من مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
وقد عرضت القاهرة نفسها كحارس للحدود، لكن بشرط رفض التهجير القسري للفلسطينيين. والزيارة إلى رفح تعد مشهداً من مشاهد الصراع الخفي بين القوى الدولية وذلك لعدة أسباب:
- أزمة المساعدات: أكثر من 2000 شاحنة مساعدات عالقة منذ أشهر، تحولت إلى ورقة ضغط بيد جميع الأطراف. مصادر دبلوماسية تكشف أن ماكرون حمل معه مقترحاً أوروبياً لآلية دولية لإدخال المساعدات دون المرور بالشروط الإسرائيلية المعقدة، لكن بشرط واحد وهو ضمانات أمنية مطلقة ضد أي تسلل لحماس.
- المفارقة التاريخية: مصر التي قادت حرب عام 1956 ضد العدوان الثلاثي (إسرائيل وفرنسا وبريطانيا)، تعود فرنسا إلى نفس الجغرافيا ولكن بلغة مختلفة.
وقد أشارت وثيقة مسربة من الخارجية الفرنسية إلى أن باريس تدرس تحويل رفح إلى “منطقة دولية مؤقتة” تحت إشراف قوات أوروبية، فيما أعلنت القاهرة رفضها بشدة أي وجود عسكري أجنبي على أراضيها.
- لعبة التوقيت: تتزامن الزيارة مع تصاعد الاحتجاجات في الغرب ضد سياسة إسرائيل، ومراقبون يرون أن ماكرون يلعب بورقة “البطل الإنساني” لتعويض تراجع شعبيته محلياً، بينما تسعى مصر لتحويل الأزمة إلى فرصة لكسب أكبر تأييد دولي للخطة المصرية حول إعادة إعمار غزة ورفض سيناريوهات التهجير.
الرافال في سماء القاهرة
رافقت زيارة ماكرون للقاهرة مجموعة من طائرات “رافال” الفرنسية له لحظة الوصول، في استعراض جوي خطف الأنظار وأعاد تسليط الضوء على واحدة من أقوى المقاتلات في العالم، والتي دخلت الخدمة ضمن القوات الجوية المصرية في السنوات الأخيرة.
“رافال” ليست مجرد رمز، فصفقة الـ24 رافال المصرية (بقيمة 3.4 مليار يورو) تعد واحدة من أسلحة مصر التي استوردتها من فرنسا لتنوع سلاحها من مصادر مختلفة.
وكانت مصر أول دولة في العالم تحصل على مقاتلات الرافال من فرنسا خارج القوات الفرنسية نفسها، مما يعكس مستوى الثقة المتبادل بين الجانبين، وأهمية مصر كحليف استراتيجي لباريس في المنطقة.
وهناك مصادر تشير إلى أن فرنسا قد تقدم لمصر تقنيات مراقبة حدودية متطورة، مقابل سماع صوت باريس في ملفات مثل ليبيا والسودان.
تسريب من البنتاجون يكشف قلق الاحتلال من تحول سيناء إلى “منصة صواريخ غربية” قد تغير موازين القوى. و زيارة ماكرون لم تكن مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل كانت اختباراً لمصر في ثلاث جبهات:
- الجبهة الداخلية: هل يستطيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحويل الزيارة إلى مكاسب ملموسة للشعب وتوقيع اتفاقيات تعاون ثنائي مصري فرنسي أو أوروبي مصري؟ حيث تسعى الحكومة المصرية لاستقطاب استثمارات فرنسية جديدة بقيمة مليار يورو خلال عام 2025، موزعة على ثمانية قطاعات رئيسية، ما يرفع إجمالي الاستثمارات الفرنسية في البلاد إلى 8 مليارات يورو.
- الجبهة الإقليمية: هل تنجح مصر في تحويل التعاطف الأوروبي إلى ضغط على إسرائيل؟
- الجبهة الدولية: هل أصبحت القاهرة قادرة على استغلال الانقسام الغربي لصالح القضايا العربية؟ وهل سيتم تشكيل ضغط عربي أوربي لوقف إطلاق النيران ؟ الساعات القادمة في رفح قد تكون الإجابة الحاسمة.