الحرب العالمية الثالثة بدأت في تشكيل الإمبراطوريات.. فلنعتبر بغدر المنتصرين بالشريف حسين
د. محمد جبريل العرفي
إرهاصات الحرب العالمية الثالثة بين الشرق والغرب بدأت بتفكيك الاتحاد السوفيتي، وتدمير الصومال والعراق، وشرارتها انتحار البوعزيزي، لتشمل تونس وليبيا كدول في الأطراف، مصر أنقذتها ثورة يونيو الفريدة.
بعدها الحرب العالمية تجلت في سوريا وأوكرانيا ولبنان وغزة واليمن، ما يميز هذه الحرب أنها تجري عن بُعد وبالوكالة، دون مواجهة مباشرة لأن الجميع يتجنب نشوب حرب نووية.
رغم أن الحرب لم تنته بعد، ولم يحقق أي طرف انتصارًا ساحقًا أو يتكبد هزيمة نكراء، لكن نتائجها بدأت تظهر.
فمثلما أعادت الحربان العالميتان تشكيل الإمبراطوريات فهذه الحرب بدأت تشكيل العالم قبل أن تنتهي.
ولنبدأ بتركيا وأردوغان الذي جندته المخابرات الأمريكية، ليؤدي وظيفتين هما التحدث باسم الإسلام، وامتصاص ظاهرة الإسلام الجهادي، الذي كان يمثله تنظيم قاعدة الجهاد، فتغيرت البوصلة من الجهاد العالمي ضد اليهود والنصارى، إلى الجهاد لتدمير الجيوش والدول العربية، ليصبح أردوغان عام 2005 وكيلًا للشرق الأوسط الجديد، مستخدمًا خطابًا عاطفيًّا للتقية والخداع.
داخليًّا صنع أردوغان فقاعة اقتصادية، وأنهى القطاع العام، فراكم 500 مليار ديون، وتهاوت الليرة، فزاد التضخم، ما تسبب بأزمة اقتصادية عميقة وغليان شعبي عنيف، وستستمر لأن الإخوان يصلون إلى السلطة بالانتخابات ولا يتركونها إلا بالقوة أو الفوضى والحرب الأهلية.
تجاوز أردوغان عدة أزمات ففي عام 2016 حمته روسيا والصين وإيران، و2022 حمته قطر بالمال وروسيا بالغاز، الآن الوضع تغير، وكل الفاعلين يسعون إلى إسقاطه، لأنه غدر بإيران وروسيا في سوريا، واستخدم الخاشقجي لإسقاط ترامب، واستهداف الأمير محمد بن سلمان، كما أن صبيه الجولاني استفز الطائفة العلوية بتركيا، وامتد التخوف إلى المسيحيين والدروز، ما أثار مخاوف المجتمع الدولي، فعرقل رفع العقوبات، وبالتالي تعثرت مشاريع إعمار سوريا التي كان يعول عليها أردوغان لإنقاذ شركاته، وليس صدفة بأنه بمجرد قفل الهاتف بين بوتين وترامب اشتعلت المظاهرات بتركيا، وفي سياق متصل تم اتهام قطر بتمويل الإرهاب، ورشوة مسؤولين صهاينة وأمريكيين لتجميل صورتها، ولهذا ستنتهي تركيا ومشروعها العثماني، وقطر ومشروعها الإخواني، وينتهي معهما مشروع الجولاني. وسيعود الشام عروبيًّا تحرريًّا، وسيلتحم مع العراق ولبنان بعيدًا عن الطائفية. تاريخيا منبع الثورات في الشام هما الجبلان، (جبل الدروز وجبل العلويين)، فلن يكون للمطبعين والتكفيريين والظلاميين وجود في سوريا.
سيستفيد الليبيون من نهاية أو تدجين أردوغان (مهما كان البديل)، لأنه سيتوقف عن دعم الإخوان والإرهابيين، وسيتطلع إلى حصة من الإعمار، وستتوقف خديعة عدائه الصوري للصهاينة.
إيران دولة عظمى مكتفية ذاتيًّا، وأصبحت نووية، وأثبتت قدرتها على الردع، إما مباشرة، أو بحلفائها، فكل مصالح أمريكا بالمنطقة أصبحت مهددة، وأغرقت اليمن كرامة أمريكا في البحر، حتى التهديد بتدمير مفاعل بوشهر هو استعراض إعلامي ونوع من الجنون، لأنه سيعني تلوث مياه الخليج العربي بالإشعاع الذري، ما يؤدي إلى موت سكان الخليج عطشًا، لأنهم يعتمدون على تحلية مياه البحر، كما أن إيران شرعت في تمتين الحاضنة الاجتماعية بالتخفيف من القيود على الحريات الشخصية، ما سيقفل ثغرة يحاول أعداؤهم التسلل منها لتفتيتها.
انشطر الغرب إلى قطبين متعاديين أو متنافسين، هما أوروبا الغربية وأمريكا، لأن ترامب عسكر الدولار وفرض الرسوم، وتحول من العولمة إلى الأمركة، وداخليًّا من الحكم الديموقراطي إلى حكم الشركات.
روسيا ستضم أوروبا الشرقية وتحيي مجد الاتحاد السوفيتي، رغم أن 14 دولة منه انضمت إلى الناتو الذي أسهم في 250 نزاعًا مسلحًا في 153 دولة. والصين ستعيد تايوان إلى الوطن الأم.
الكيان فقد وظيفته، وخسر حاميته لأن أمريكا عاجزة عن حماية نفسها. فكما انتهى جدار برلين ستنتهي بقية ترتيبات الحرب الأوروبية الثانية، من إنشاء الكيان وحلف الناتو والأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. طوفان الأقصى والمقاومة في لبنان واليمن والعراق أنهت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ومن ثم هجرة ملايين اليهود، رغم أن أغلبهم من الأشكيناز العلمانيين، وتحكم المتطرفون في السلطة بالكيان، فاستولوا على الحكومة والقضاء والمخابرات.
منطقتنا العربية، إما أن تتخذ خطوات استباقية للمحافظة على الوجود، أو أنها ستكرر جريمة الشريف حسين بالتحالف الخطأ الذي انتهى بسايكس بيكو، فالتفتيت في الأفق، وترامب يسعى إلى الاستيلاء على الأرصدة الخليجية، فقد استكثر رصيد البحرين، وطالب الكويت بثمن إضافي لتحريرها، وقطر مهددة بتعويضات دعمها للإرهاب، وفضيحة (قطر جيت)، والسعودية ستدفع 1.4 تريليون، وباستنزاف الأرصدة ستنتهي الأنظمة.
عليه: إن لم يتوقف العداء السني الشيعي، وتمويل الحروب العربية البينية، وينشأ كيان موحد بالجزيرة العربية يضم اليمن، بديلًا عن الأنظمة العائلية الاصطناعية، وينتهي العداء بين أنظمة المغرب العربي، وتنشأ دولة اتحادية نواتها مصر ذات الإرث التاريخي، والتي تعتمد على شعبها وليس أرصدتها، فإن مصير الحكام العرب سيكون كمصير الخليفة العباسي المستنصر، الذي عندما احتاج إلى الأكل في سجون المغول قدموا له ذهبًا وجواهر لتذكيره بأن كنز الأموال لا يحمي الكرامة.
قد يظن البعض أننا مبالغون أكثر من اللازم، لكن هذه قواعد علم التغيير الاجتماعي، فالفوضى التي يعشها العالم مقدمة لسقوط الأنظمة، والظرف الثوري أصبح ناضجًا بشروطه الخمسة، المتمثلة في أزمة وطنية اقتصادية واجتماعية وسياسية، وعدم مجاراة العصرنة، وممارسة القمع بدلًا من وسائل الاحتواء، والبيئة الدولية المحيطة.