-مقالات الرأي

الإمبريالية الترامبية.. هيمنة بلا نفاق!

بقلم/ مصطفى الزائدي

الإمبريالية هي توسيع دولة ما لنفوذها على حساب دول أو مناطق أخرى عبر السيطرة السياسية، العسكرية، الاقتصادية، والثقافية، تتميز بفرض الهيمنة السياسية بالقوة واستغلال الموارد الطبيعية وثروات الشعوب، وقد تتخذ الإمبريالية أشكالًا مباشرة كالاستعمار أو غير مباشرة كالسيطرة الاقتصادية التي تختلف عن الاستعمار الذي يركز على التواجد العسكري والتوطين والإدارة المباشرة.

ولقد تطورت الإمبريالية تاريخيًّا وتشكَّلت من عدة مراحل:

  1. مرحلة الإمبراطوريات القديمة (ما قبل القرن الخامس عشر) مثل الإمبراطورية الرومانية واليونانية والفارسية والمغولية وغيرها التي سيطرت عبر الغزو العسكري، على طرق التجارة، ومارست الهيمنة الثقافية بفرض لغاتها.
  2. مرحلة ما بعد الاكتشافات الأوروبية للعالم الجديد، وتميزت بسيطرة دول مثل إسبانيا والبرتغال وهولندا على موارد العالم الجديد، عبر احتكار التجارة والاستحواذ على المعادن الثمينة والاستيطان.
  3. مرحلة الإمبريالية الحديثة، الناتجة عن الثورة الصناعية في أوروبا التي خلقت حاجة ماسة إلى المواد الخام غير المتوفرة بكفاية في أوروبا وكذلك إلى أسواق لتصريف المنتجات الصناعية، وضرورة السيطرة على التجارة العالمية، ونتج عنها التوسع الاستعماري في أفريقيا وآسيا، حيث قسمت أوروبا في مؤتمر برلين أفريقيا إلى مستعمرات وزَّعتها فيما بينها.
  4. مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي تزامنت مع تصفية الاستعمار وظهور حركات التحرر ومحاولة الدول الاستعمارية الدفاع عن مصالحها والبحث في آليات مختلفة للحفاظ على نفوذها.
  5. الإمبريالية المعاصرة، وتتسم بالهيمنة الاقتصادية عبر المؤسسات الاقتصادية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكذلك عبر سياسات الإقراض المجحفة المخصصة لخدمة مصالح الدول الكبرى وإحكام السيطرة على الدول النامية، وكذلك عبر الشركات متعددة الجنسيات الكبرى، وبخاصة تلك التي تحتكر المعلومات والطاقة والصناعات العسكرية والأدوية والأغذية.

وأيضًا من خلال الهيمنة الثقافية على الشعوب بنشر اللغة الإنجليزية وفرضها كلغة عالمية، وإضعاف اللغات الأخرى، رغم أعداد الناطقين بها، وكذلك فرض القيم الغربية، والترويج لسياسات الانحلال، كالمثلية، عبر الإعلام ووسائل التواصل الموجهة من خلال أدوات متحكمة مخفية تدير الأخبار والمعلومات.

ولقد اتسمت المراحل الإمبريالية السابقة بجرائم بشعة في حق الإنسانية، ليس أقلها الحروب العالمية الطاحنة وجرائم إبادة السكان الأصليين في العالم الجديد وفي المستعمرات في أفريقيا، وكذلك التسلح بين الدول الإمبريالية وإنتاج أسلحة إبادة شاملة نووية وكيماوية وبيولوجية واستخدامها في عديد المرات، والعمل على إبقاء التفاوت الاقتصادي بين دول العالم بتقسيمه إلى دول نامية جائعة مستباحة ودول غنية مترفة، وأيضًا العبث بالقيم والأخلاق وتوجيه التقدم العلمي فقط لخدمة المشروعات الإمبريالية.

في تصوري، الترامبية تشكِّل حالة تطور طبيعي للإمبريالية، وليست حالة غريبة مرتبطة فقط بشخص ترامب وسلوكه. ويمكن توصيف الإمبريالية الترامبية بأنها مزجت بين أسوأ معطيات ومظاهر المراحل الإمبريالية السابقة بأن أضافت إليها التبجح وعدم البحث في المبررات، ففي كل المراحل الإمبريالية السابقة كانت عمليات الهيمنة تجري مصحوبة بدعايات أخلاقية وتقدم للشعوب كالسم في العسل، فأطروحات كالتطوير والتحضر وحماية الحريات والحقوق الفردية وتنمية مستويات حياة الأفراد والمجتمعات كانت حاضرة دائمًا في كل المراحل، غير أن ترامب يمارس الهيمنة بكل فظاظة ودون أي قيود، ولعل نشر لقاءاته برؤساء الدول ومطالبتهم بدفع مبالغ ضخمة مقابل وجود قواعد وقوات أمريكية في بلدانهم يدعي أنها لحمايتهم وهي في الحقيقة لفرض هيمنة أمريكا عليها، وكذلك المطالبة علنًا بضم دول ككندا وجرينلاند دون تقديم أي من التبريرات المعهودة، ولكن فقط لتقوية أمريكا اقتصاديًّا وعسكريًّا وتوسيع مساحات تفوُّقها الجيوسياسي، وأيضًا تبجحه بفتح أبواب الجحيم على الأبرياء في غزة واليمن، واقتراحه بتهجير قسري لأكثر من مليوني فلسطيني من أجل تحويل فلسطين إلى مستوطنة آمنة لليهود.
الإمبريالية الترامبية ليست حالة معزولة مرتبطة بشخص ترامب، بل هي حالة واسعة تظهر بوضوح لدى اليمين المتطرف في كل الدول الغربية، فما يطرحه من أفكار وما يرفعه من شعارات توصف بالجنون، وكذلك صعوده المتسارع يعكس حقيقة أن المرحلة الإمبريالية المتوحشة قد بدأت، ربما إرهاصاتها حرب الرسوم وما قد تسببه للاقتصاد العالمي من مشاكل عويصة، وهي أسباب كافية لتوسع حالات الحروب والنزاعات، وستسهم في انحلال البلدان وتفتيتها لمصلحة الدول المهيمنة، قد تتوسع إلى حرب نووية تنهي الحياة في الأرض!
بالتأكيد لن تمر الإمبريالية الترامبية دون مقاومة، وينبئنا التاريخ بأن الشعوب قادرة على ابتداع وسائل مقاومة مناسبة وستنتصر في معاركها!

زر الذهاب إلى الأعلى