مقالات الرأي

اعتقال نتنياهو حتى لا يبقى أحد فوق القانون

محمد علوش

يقوم رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة إلى العاصمة المجرية بودابست، بدعوة من نظيره فكتور أوربان، ولا يمكن وصف هذه الزيارة إلا بالاستهانة الفاضحة بمذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقّ نتنياهو، المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

وهذه الزيارة والاستضافة في بودابست تمثل تحديًا صريحًا للقانون الدولي، يصدر عن دولة سبق لها في عهد أوربان نفسه أن صادقت على “نظام روما الأساسي” الذي أنشأ الجنائية الدولية، ويحدث أيضًا أنها دولة عضو في الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي.

ولأنّ “الطيور على أشكالها تقع”، فإن حلول نتنياهو ضيفًا على أوربان أقرب إلى تحصيل حاصل بين شريكين اقتسما على الدوام مصالح شخصية وحزبية، منذ اللقاء الأول بينهما في سنة 2005 حين كان الأخير في المعارضة، وكان الأول وزيرًا للمالية في حكومة أرييل شارون، فالفوائد كانت مشتركة أيضًا بين حزب «فيدس» اليميني المتطرف الذي يقوده أوربان في استغلال العلاقة مع «الليكود» الذي يتزعمه نتنياهو لإبعاد اتهامات بالعداء للسامية طالت الحزب المجري.

ولا عجب أن تلتقي جذور العداء للسامية مع جرائم الحرب والاستيطان والعنصرية، فالجوارح أيضًا على أشكالها تقع وتتفق وتتواطأ، فاستقبال المجر لنتنياهو، المطلوب، يشكل تشجيعًا له ولغيره من قادة ومجرمي الحرب الإسرائيليين، الذين يواصلون ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد شعبنا الأعزل، كما يشكل أيضًا تعديًا فاضحًا على القانون الدولي والقرارات الدولية.

وتزداد الوقاحة المجرية بانتقاد المجر لمذكرة اعتقال نتنياهو وتهديدها بالانسحاب من نظام المحكمة الجنائية، وإن قامت بمغامرة الانسحاب، فهذا لا يعفيها من التزاماتها القانونية بضرورة اعتقال نتنياهو باعتباره مجرم حرب ومطلوبًا للعدالة الدولية، استنادًا إلى نص المادة (127 – الفقرة الأولى) من نظام روما التي أشارت إلى “أن انسحاب أي دولة لا يسري ويصبح نافذًا إلا بعد سنة من تاريخ تسلم الأمم المتحدة للإخطار”، كما أن نص الفقرة الثانية يؤكد أن “الدولة العضو لا تعفى بسبب انسحابها، من الالتزامات التي نشأت عن هذا النظام، ولا يؤثر انسحاب الدولة على أي تعاون مع المحكمة فيما يتصل بالتحقيقات والإجراءات الجنائية التي كان على الدولة المنسحبة واجب التعاون بشأنها”.

إن العدوان على قطاع غزة وعلى الشعب الفلسطيني بشكل عام، كان وما زال كاشفًا لحقيقة بعض الدول ومواقفها من القانون الدولي وحقوق الإنسان والعدالة الدولية، وإن جميع دول العالم اليوم، وبخاصة الدول الأعضاء في نظام روما، مدعوة إلى اعتقال نتنياهو فورًا، أو بالحد الأدنى عدم السماح للطائرة التي يستقلها بدخول أجوائها، وإلا فإن المحكمة الجنائية الدولية والهيئات الحقوقية الدولية معنية بفضح هذه الدول وتسميتها، ليس لعدم امتثالها لمذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية باعتقال نتنياهو، بل لتحديها القانون الدولي وعرقلة مسار العدالة الدولية.

وإن الأمم المتحدة والدول الأعضاء في نظام روما مطالبون بالعمل على تطوير نظام عمل المحكمة الجنائية الدولية، بما يقفل الباب أمام أهواء وتقديرات الدول، وبهدف التعاطي الإيجابي مع المحكمة، والاستفادة من بعض القواعد القانونية المعمول بها في إطار القانون المدني الجنائي بأن من يخفي مجرمًا أو معلومات عن جريمة يصبح شريكًا فيها، ومن هنا فإن عدم تعاون بعض الدول أو انتقاد قرارات المحكمة يجب أن يترتب عليه إجراءات قانونية، حتى لو كان ذلك على المستويين المعنوي والسياسي.

يتعين على كافة الدول الامتثال لمذكرتي الاعتقال الصادرتين بحق نتنياهو وغالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، حيث جسدت مذكرة الاعتقال انتصارًا لعدالة القضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني المضطهد، وانتصارًا لمبادئ القانون الدولي والإنساني ضد مجرمي الحرب.

نتنياهو الهارب من قضايا الحرب ومحكمة الجنائية الدولية يقوم اليوم بتنفيذ جرائم أخرى في الضفة الغربية بتهجير السكان والضم للأراضي واستكمال مسلسل العدوان على الأطفال والنساء والشيوخ وارتكاب أفظع الجرائم وفرض العقاب الجماعي، والعمل المتسارع من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وتقويض النظام السياسي الفلسطيني وتفكيكه خدمة لأجنداته اليمينية المتطرفة وباعتباره يمثل عقلية الاحتلال الإرهابية، وقد آن الأوان للعدالة الدولية أن تأخذ مجراها في ملاحقة واعتقال ومحاسبة قادة وجنرالات الاحتلال، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الفاشية نتنياهو، ونرى أن هذه الخطوة بالاتجاه الصحيح، لكنها جاءت متأخرة كثيرًا، حيث صدرت مؤشرات قبل فترة وجيزة عن ملاحقة قادة إسرائيل المدنيين والعسكريين على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني، وردود الفعل التي كنا نتوقعها كانت قد بدأت بالفعل، والحصار المالي والعدوان العسكري على الشعب الفلسطيني بالضفة والقدس، واستمرار جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة مؤشر على أن الانتقام الذي يعد له نتنياهو جراء المساءلة والمحاسبة أمام المحكمة الدولية قد بدأ بالفعل، ونحن على أمل في متابعة المدعي العام للمحكمة الإجراءات ذاتها التي اتبعتها المحكمة في قضايا أخرى مشابهة، من أجل محاسبة نتنياهو وكل قادة الحرب وتلقي العقاب المطلوب حتى لا يبقى أحد فوق القانون.

مهما حاول نتنياهو الفرار من وجه العدالة والمحاسبة، فإنه سيسقط في النهاية، ودماء ضحايانا لن تذهب هدرًا، والفلسطيني لن ينسى ولن يغفر، ولا تسقط راية النضال أمام شعب عظيم لا يعرف اليأس ولا يقبل الانكسار.

زر الذهاب إلى الأعلى