التفاصيل الكاملة لـ”فضحية سيجنال” بشأن الحرب على اليمن التي هزت أمريكا
تقرير – سيد العبيدي:
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأيام الماضية، فضيحة من العيار الثقيل هزت إدارة الرئيس دونالد ترامب، كشف تفاصيلها رئيس مجلة “ذا أتلانتيك” الصحفي “جيفري جولدبرج”، الذي ضُم بالخطأ إلى غرفة محادثات سرية خصصت لمناقشة خطط عسكرية تتعلق بالحرب على اليمن عبر تطبيق “سيجنال”.
غرفة المحادثة التي انشأت خصيصا لمناقشة أسرار الحرب على اليمن كان من المفترض أنها تتمتع بقدر عالي من السرية عبر تطبيق “سيجنال”، لكنها كانت متاحة لوسائل الإعلام من خلال تواجد الصحفي “جيفري جولدبرج” وهو ما يطرح تساؤلات مهمة حول مصداقية هذه التطبيقات الإلكترونية في ضمان الخصوصية والأمان للمشتركين، إلى جانب فشل ووكالة الإستخبارات الأمريكية في ضمان أمن مثل هذه المحادثات التي تحوي معلومات بهذا القدر العالي من الأهمية؟. حيث بدأت الهجمات على اليمن بعد ساعتين فقط من تلقي الصحفي الذي كان متواجداً بطريقة الخطأ في المحادثة للمعلومة.
وقال جيفري جولدبرج، رئيس تحرير مجلة “ذا أتلانتيك”، إنه تمت إضافته عن طريق الخطأ إلى تطبيق المراسلة “سيجنال” المسمى “مجموعة الحوثيين الصغيرة” في 13 مارس، بينما كانت تضم المجموعة مسؤولين رفيعي المستوى من إدارة ترامب بالإضافة إلى 18 شخصية بارزة، بما في ذلك نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، ووزير الدفاع بيت هيجسيث، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، ورئيسة موظفي البيت الأبيض سوزي ويلز، وضابط استخبارات نشط لم يتم الكشف عن اسمه، ومسؤولين كبار آخرين في مجلس الأمن القومي.
وقال رئيس تحرير مجلة “ذا أتلانتيك” جيفري جولدبرج، إنه تلقى مسبقًا عبر تطبيق سيجنال خطة تفصيلية للغارات الأمريكية في 15 مارس ضد الحوثيين، فيما أكد البيت الأبيض الاثنين أن الصحفي ضُمّ عن طريق الخطأ إلى مجموعة مراسلة سرية للغاية، تضم عددًا من كبار المسؤولين الأمريكيين لمناقشة توجيه ضربات ضد الحوثيين في اليمن.
ونشرت “ذا أتلانتيك” مقالة بقلم رئيس التحرير جيفري جولدبرج جاء فيها أن “قادة الأمن القومي الأمريكي ضمّوني إلى محادثة جماعية حول الضربات العسكرية المقبلة في اليمن، لم أكن أعتقد أن ذلك قد يكون حقيقيًا، ثم بدأت القنابل بالتساقط”.
وأضاف أن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث، أرسل معلومات على مجموعة المراسلة عن الضربات بما في ذلك “الأهداف والأسلحة التي ستنشرها الولايات المتحدة وتسلسل الهجمات”.
وتابع “وفقًا لرسالة هيجسيث الطويلة، سيتم الشعور بأولى الانفجارات في اليمن بعد ساعتين، الساعة 1:45 مساءً بالتوقيت الشرقي”، وهو جدول زمني تأكد على أرض الواقع في اليمن.
وقال جولدبرج إنه تمت إضافته إلى الدردشة الجماعية قبل يومين وتلقى رسائل من مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى يقومون بتعيين ممثلين للعمل على هذه القضية..
في 14 مارس، أعرب على ما يبدو نائب الرئيس جيمس ديفيد فانس عن شكوكه بشأن تنفيذ الضربات، قائلًا إنه يكره “إنقاذ أوروبا مرة أخرى”، لأن دولها كانت أكثر تضررًا من هجمات الحوثيين على السفن من الولايات المتحدة.
وبحسب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي براين هيوز “يبدو في هذا الوقت أن سلسلة الرسائل المذكورة في المقال أصلية، ونحن نحقق في كيفية إضافة رقم عن طريق الخطأ”.
ترامب لا يعلم شيئًا
من جهته أكد الرئيس دونالد ترامب أنه لا يعلم شيئًا عن المسألة. وصرح ترامب: “لا أعرف شيئًا عنها”، مضيفًا “أسمع بهذا منكم للمرة الأولى”. وأضاف أن “الهجوم كان فعالًا للغاية” على أي حال.
كان من الممكن أن يكون التسريب ضارًا للغاية لو نشر جولدبرج تفاصيل الخطة مسبقًا، لكنه لم يفعل ذلك حتى بعد وقوعها، ثم صرح مستشار الأمن القومي مايك والتز وهيجسيث بأن واشنطن وحدها قادرة على تنفيذ المهمة، بينما أشار وزير الدفاع إلى أنه يشارك فانس “نفوره من الاستغلال الأوروبي”.
انتقادات عنيفة داخل الكونجرس
في السياق تصاعدت داخل أروقة الكونجرس الأمريكي موجة انتقادات عنيفة، بعد تقارير صادمة كشفت تسريب معلومات سرية للغاية تتعلق بخطط إدارة الرئيس دونالد ترامب لتوجيه ضربات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن.
ووفقًا لما نشره “جولدبرج”، فإن الرسائل تضمنت معلومات دقيقة عن الأهداف العسكرية وحزم الأسلحة والتوقيت المحدد للضربات، التي تزامنت لاحقًا مع عمليات فعلية نفذتها الولايات المتحدة ضد الحوثيين في 15 مارس الجاري.
وقال “جولدبرج” في مقاله: “لم أصدق أن قيادة الأمن القومي الأمريكي تناقش خطط حرب وشيكة عبر تطبيق تجاري، ولم أتخيل أن أُضاف إلى تلك المناقشات بالخطأ”، مُشيرًا إلى أن هذا التسريب كان يمكن أن يشكل خطرًا كارثيًا لو اطلعت عليه جهة معادية.
وكالة الأمن القومي الأمريكي تحذر من ثغرة أمنية
من جهتها حذرت وكالة الأمن القومي الأميركية NSA موظفيها من “ثغرة أمنية” مرتبطة بتطبيق المراسلات “سيجنال”، وذلك قبل شهر من أزمة إضافة صحافي بالخطأ داخل محادثة على التطبيق تضم مسؤولين أميركيين كبار لمناقشة خطط عسكرية تتعلق بقصف جماعة الحوثيين في اليمن.
ونشرت شبكة CBS الأميركية نشرة لوكالة الأمن القومي الأميركية موجهة إلى موظفيها بعنوان “ثغرة أمنية في سيجنال”، وصفتها بأنها “غير سرية، لكنها مخصصة للاستخدام الرسمي فقط”.
وتُعد وكالة الأمن القومي الذراع الاستخباري الإلكتروني لوزارة الدفاع الأميركية، وهي مختصة بجمع وتحليل الإشارات الرقمية والمعلومات الإلكترونية بما يخدم مصالح الأمن القومي.
قراصنة روس
وأفادت النشرة بأنه “تم رصد ثغرة في تطبيق سيجنال، تجعله هدفاً ثميناً للتجسس، نظراً لاستخدامه من قبل شخصيات بارزة عرضة للاستهداف”، مشيرة إلى أن مجموعات قرصنة روسية محترفة استخدمت حملات تصيّد إلكتروني لاختراق المحادثات رغم خاصية التشفير من الطرف إلى الطرف التي يوفرها التطبيق.
وشدّدت النشرة على أن استخدام التطبيقات المشفّرة من طرف ثالث مثل “سيجنال” وواتساب مسموح فقط في حالات لا تتضمن معلومات سرية، محذرة من إرسال أي معلومات حساسة عبر أدوات الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي، ومن التواصل مع أشخاص مجهولين.
ثغرة في ربط الأجهزة
وبحسب الوثيقة، تستغل مجموعات قرصنة روسية محترفة خاصية ربط الأجهزة Linked Devices للتجسس على المحادثات المشفرة داخل التطبيق، مشيرة إلى أن تلك الميزة تسمح باستخدام التطبيق على أكثر من جهاز في الوقت ذاته.
وذكرت الوثيقة أن الهجمات تعتمد على إدراج أكواد الاستجابة السريعة QR المزيفة أو روابط دعوة للمجموعات يتم إخفاؤها ضمن صفحات تصيّد إلكتروني، لافتة إلى أنه “بمجرد وقوع المستخدم ضحية لهذه الصفحات، يتمكن القراصنة من ربط أجهزتهم الخاصة بحساب المستخدم الأصلي دون علمه”.
ولفتت الوثيقة أن الخطورة تكمن في أن “ربط الأجهزة” يتيح للمهاجمين الوصول الفوري إلى كل رسالة يتم إرسالها أو استقبالها داخل المحادثة، متجاوزين بذلك نظام التشفير الطرفي الذي يعد إحدى أبرز ميزات “سيجنال” الأمنية.
تحذير البنتاجون
وفي تطور متزامن، أصدرت وزارة الدفاع الأميركية تحذيراً داخلياً من استخدام تطبيق “سيجنال”، بسبب نفس الثغرة الأمنية، والتي أوضح البنتاجون أنها مرتبطة بعمليات تصيّد إلكتروني.
وجاء في رسالة بريد إلكتروني تم تعميمها على مستوى الوزارة، وحصلت عليها إذاعة NPR، أنه تم تحديد ثغرة في تطبيق سيجنال، تستغلها مجموعات قرصنة روسية محترفة تكمن داخل خاصية “ربط الأجهزة” للتجسس على المحادثات المشفرة.
وأوضحت المذكرة أن هذه المجموعات تستهدف مستخدمي “سيجنال” للتجسس على أشخاص ذوي أهمية استخباراتية.
في المقابل، قال متحدث باسم “سيجنال” للإذاعة إن المذكرة لا تتعلق بثغرات في بنية التطبيق الأمنية نفسها، بل تركز على هجمات تصيّد تستهدف المستخدمين.
وأضاف المتحدث: “إذا كنت تستخدم التطبيق، فعليك أن تكون حذراً من أي محاولات لخداعك لربط جهاز غير مألوف بحسابك، أو ببساطة يمكنك اللجوء إلى وسائل تواصل أخرى أكثر أماناً”.
وفي جلسة استماع بمجلس الشيوخ، الثلاثاء، أدلت كل من مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، بشهادتهما، إذ أكدت جابارد أنه لم يتم تبادل أي معلومات سرية في تلك المحادثة، فيما شدّد راتكليف على أن “سيجنال” تطبيق معتمد من البيت الأبيض للتواصل بين كبار المسؤولين، لكنه لا يُعد بديلاً عن قنوات الاتصال المشفّرة الرسمية.
وعندما سُئل المسؤولان من قبل السيناتور الديمقراطي مارتن هاينريش عمّا إذا كانت المحادثة تضمنت معلومات عن الأسلحة أو الأهداف أو توقيت الهجوم، أجاب راتكليف: “ليس لدي علم بذلك”، بينما قالت جابارد: الجواب نفسه، وأُحيل هذا السؤال إلى وزارة الدفاع”.
فضيحة “سيجنال”.. دعوات في الكونجرس للإطاحة بـ”هيجسيث” و”والتز”
وبعد تسريب محادثة على تطبيق “سيجنال” عن الخطط العسكرية لإدارة ترامب، طالب عدد متزايد من الديمقراطيين في الكونجرس بإقالة وزير الدفاع في إدارة الرئيس دونالد ترامب بيت هيجسيث ومستشار الأمن القومي مايك والتز أو استقالتهما.
وجادل كبار مسؤولي الأمن القومي في البلاد بأن جيفري جولدبرج -رئيس تحرير المجلة- كان يبالغ في تقدير حجم الاختراق الاستخباراتي، وزعموا أنه لم تتم مشاركة أي معلومات سرية أو “خطط حربية”.
وهاجم كل من “هيجسيث” و”والتز” رئيس تحرير “ذا أتلانتيك” جولدبرج، ونفيا بشدة أن يكون هناك أي خطط حربية تمت مشاركتها، في حين زعم والتز أن جولدبرج ربما حصل على إمكانية الوصول إلى مجموعة الدردشة بالاحتيال.
وسخر “هيجسيث” من وصف “خطط الحرب” الذي تصدر عناوين المجلة قائلًا: “لا أسماء، لا أهداف، لا مواقع، لا وحدات، لا طرق، لا مصادر، لا أساليب”.
كما رددت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، هذه الادعاءات. لذا، قامت “ذا أتلانتيك” بنشر أجزاء إضافية من المحادثة.
أمر محرج
من جهته نقل موقع “أكسيوس” عن بيان السيناتور مايكل بينيت -ديمقراطي من كولورادو- نفي صادر عن وزير الدفاع الأمريكي “هيجسيث ووالتز” لمناقشة معلومات سرية أو “خطط حرب” في المحادثة، أنهما “يجب أن يستقيلا”.
بينما قال النائب ماكسويل فروست -ديمقراطي من فلوريدا وعضو القيادة الديمقراطية- في منشور على موقع “إكس”: لو وقعت هذه الخطة المحددة في أيدي غير أمينة، لكان الأمريكيون في عداد الأموات الآن. يجب إقالة والتز وهيجسيث فورًا.
كما كتب السيناتور روبن جاليجو -ديمقراطي من أريزونا- على المنصة الاجتماعية نفسها أن هيجسيث “يحتاج إلى الاستقالة”، وأن “عدم الكفاءة أمر محرج”.
أيضًا، دعا زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز -ديمقراطي من نيويورك- إلى إقالة هيجسيث في رسالة إلى الرئيس ترامب مساء الثلاثاء، وذلك قبل نشر المحادثة بأكملها على موقع “ذا أتلانتيك”.
وبينما لم يطالب أي من الجمهوريين حتى الآن باستقالات، لكن بعضهم صعدوا من انتقاداتهم لإدارة ترامب في أعقاب الإصدار الأخير للمجلة، الذي تناول تفاصيل أكثر.
ونقل “أكسيوس” عن عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب والعميد السابق في القوات الجوية، النائب الجمهوري من نبراسكا دون بيكون: “إن البيت الأبيض ينكر أن هذه البيانات لم تكن سرية أو حساسة. يجب عليهم فقط الاعتراف بالأمر والحفاظ على مصداقيتهم”.