الطب والممارسة
بقلم/ علي المبروك أبو قرين
الطب ليس مجرد علم وممارسة، بل فنًّا يقوم على الحكمة والرحمة، يجتمع فيه العقل والقلب والجوارح لخدمة الإنسانية، وهو رسالة شريفة وأمانة إنسانية وأخلاقية مسؤولة عن حفظ النفس وحماية الحياة ومنع الأذى، والتخفيف من معاناة المرضى، يتطلب الجمع بين العلم والحكمة والرحمة والأمانة والصدق والكفاءة والخبرة، والطبيب عليه أن تجتمع فيه كل هذه الخصال مع التضحية والإيثار والاستمرارية في التعلم والتطور في فنون الممارسة العلمية، ما يجعله يتعدى دور التشخيص الدقيق والعلاج الفعال، ليكون أكثر من السند ومصدرًا للثقة ورمزًا للإنسانية، تتوفر فيه البصيرة والقدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة المرتكزة على الخبرة والأدلة والبراهين والتجربة والتحصيل العلمي والمهارة والتميز، والمعاملة باحترام ولطف وتقدير للمرضى، والاستماع إليهم بتمعن وتفهم آلامهم وظروفهم النفسية والاجتماعية، وإعطاء المعلومات الطبية الدقيقة والواضحة وبشفافية بدون تهويل أو تهوين، ومن غير استغلال للمرضى ماديًّا، أو طلب إجراءات تشخيصية أو علاجات غير ضرورية، وضرورة الحفاظ على أسرار المرضى وعدم إفشاء بيناتهم الصحية.
ويتطلب من الطبيب أن يكون له القدرة على العمل تحت الضغوط والتعامل مع الطوارئ والحوادث والكوارث، والقدرة على ضبط النفس في المواقف الصعبة، ويتمتع بمهارات التواصل الفعال مع المرضى وذويهم ومع الزملاء والعاملين معه.
الطب من أسمى المهن الإنسانية، إذ حظي بتقدير واحترام وتمجيد الفلاسفة والحكماء والعلماء على مر العصور، حيث قال أبقراط “حيث توجد محبة الإنسان هناك محبة لفن الطب، والطبيب الحكيم يعالج المرض والطبيب العظيم يعالج المريض”، وجالينوس قال “أفضل الأطباء من يملك المعرفة والرحمة معًا، لاحتياج المرضى إلى علاج أجسادهم وطمأنينة نفوسهم”، وابن سينا قال “إن الوهم نصف الداء والاطمئنان نصف الدواء والصبر أول خطوات الشفاء”، والرازي أوصى “إن استطعت العلاج بالكلام فلا تعط للمريض دواء”، ولا ننسى “باراسيلسوس” الذي أكد أن الطب ليس مهنة، بل رسالة تهدف إلى تخفيف آلام البشر، و”وليام أوسلر” الذي قال “الاستماع إلى المرضى تشخيص، والطب علم وإنسانية”، وموسى بن ميمون قال “اللهم اجعلني أرى الإنسان في المريض لا مرضه فقط”.
في الطب الحكمة بصيرة والرحمة بدونها الطب تجارة، والأمانة تحمي من الزلل ولا طب من غيرها، والصدق ثقة، والمعرفة أساس الممارسة، ولها أصولها وقواعدها ومتطلباتها والقدرة على ممارستها وتطويرها، والخبرة تطبيق للمعرفة، والكفاءة استمرارية التعلم والبحث والتطوير في العلوم والذات والأداء، والمرض ليس سلعة للاستثمار الاقتصادي، المرض تهديد للصحة والإنتاج والحياة والاقتصاد والتنمية، والاستثمار في الطب بالثقافة الصحية المجتمعية العالية والشاملة، وبالتعليم والتدريب العالي المتقدم والمتميز والمستمر، وبالتقنية والتكنولوجيا الحديثة المتطورة، وبالخدمات الصحية الإلكترونية المرقمنة والذكاء الاصطناعي والطب التنبؤي والاستباقي وطب أنماط الحياة، ومنع الأمراض، ونظام استشفائي متقدم يرتكز على الفرد والمعلومات الدقيقة والمعايير العالية والحوكمة، ويتخطى بذل الجهد لتحقيق النتائج المطلوبة، لا يقبل الخطأ والتقصير والإهمال والاستغلال لأنهم جرائم بالقانون والعرف والأخلاق والقيم الإنسانية النبيلة، مصلحة المريض فوق كل اعتبار، والكرامة والمساواة والاحترام جوهر العلاقة بين المريض والمعالجين وكل منظومة النظام الصحي.
إن خصال المهنة وممتهنها وأهدافها هي فلسفة وروح الطب والتطبب، وهي السياسات والهيكلة والنظم والتشريعات والقوانين واللوائح للنظام الصحي الفعال، الذي يحقق الصحة والعافية والرفاه، وحفظ النفس وحماية الحياة، والعدالة والمساواة، والحكمة في القرارات والرحمة في الممارسة