مقالات الرأي

إلى متى تبقى ليبيا مقسمة الأوصال؟

عبدالسلام مهاجر قريرة

تناولنا في الجزء الأول دور القوى الوطنية لنيل الاستقلال وإنقاذ ليبيا من الهيمنة الأجنبية، وحتى وإن كان استقلالًا منقوصة فيه السيادة، لبقاء بعض تلك الدول الاستعمارية متمتعة بامتيازاتها العسكرية وهيمنتها السياسية فضلًا عن التحكم في الموارد الاقتصادية الزراعية والصناعية التي يتمتع بخيراتها بقايا الإيطاليين المستوطنين في ليبيا، رغم ذلك كله فلا يعد ذلك الاستقلال المنقوصة فيه سيادة الدولة نقيصة في حق هؤلاء المناضلين الليبيين، حيث ليس بالإمكان أكثر مما كان، بأن أثمرت جهودهم النضالية إيجاد مؤسسات محلية وطنية تدار بواسطة شخصيات وطنية أسهمت في النهوض بالمجتمع الليبي في بعض المجالات وهيأت السبيل إلى أن تنال ليبيا سيادتها الكاملة على كامل إقليمها بعد قيام الثورة في أول سبتمبر عام 1969 التي قامت بإجلاء القواعد البريطانية بتاريخ 28/3/1970 والقواعد الأمريكية بتاريخ الحادي عشر من شهر يوليو من ذات العام وطرد المستوطنين الإيطاليين بتاريخ السابع من شهر أكتوبر من العام ذاته، بما جعل عام 1970 يسمى عام إجلاء التواجد الأجنبي عن التراب الليبي وكمال سيادة الدولة.

فأين أبناء ليبيا اليوم مما يرونه؟ إن التاريخ يعيد نفسه وما أشبه الليلة بالبارحة، بأن أصبحت بلادهم اليوم حلبة صراع بين الدول الكبرى مثلما كانت في سابق عهدها من القرن المنصرم، وأين أبناء ليبيا اليوم من أسلافهم المناضلين بالأمس وهم يرون بلادهم تتعرض لمؤامرة دولية لها مخاطرها الآنية والأخطر منها المستقبلية بأن ظلت ليبيا فريسة تتناهشها السباع والضباع والذئاب والكلاب وجعلها تسود فيها شريعة الغاب إن لم تكن شريعة الغاب أعدل، كما جعل ليبيا محل الفوضى العارمة المستهدف فيها بطريقة ممنهجة انتهاك سيادتها ونهب ثرواتها وجعلها ساحة مفتوحة تتنامى فيها الجريمة المنظمة في مختلف مجالاتها الإرهابية من تهريب بشر ومخدرات وأسلحة وكل الموارد الاقتصادية والتشجيع على تنامي الهجرة غير الشرعية من مختلف دول الجوار الطاردة، خصوصًا الجنوبية منها، لتكون جاليات تمثل مع مرور الزمن الأعداد الرهيبة التي قد يفوق عددها عدد أبناء الشعب الليبي، ويظل حقها في يوم من الأيام مكفولً في المطالبة بتقرير المصير، إلى غير ذلك من المخاطر المحدقة بليبيا من خلال مستهدفات المؤامرة الدولية التي رسمت مخططاتها مسبقا ونفذت عام 2011 والتي اكتشفت خفاياها ودسائسها للعامة خلال السنوات العجاف التي عاشها الشعب الليبي وذاق فيها سوء العذاب على مدى أكثر من عقد زمني.
أليس حريًّا بأبناء الوطن اليوم أن يستلهموا الرشد من أسلافهم الذين ناضلوا من أجل ليبيا بالأمس، بأن يستنهضوا الهمم بكافة فئاتهم النخبوية الوطنية الصادقة، سواء منها النخب السياسية أم القانونية أم الثقافية أم الإعلامية أم الاجتماعية وغيرها من الفئات النخبوية الوطنية الأخرى والتواصل فيما بينها لتتناول الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب الليبي والإحساس بعمق جراح الوطن، بالتفكير في كيفية إيجاد الحلول الناجعة للأزمة الليبية المتأزمة، بتشكيل فرق عمل وطنية، تتوافق على تشكيل قيادة وطنية موحدة، تقوم بإعداد مبادرة وطنية لحل الأزمة الليبية، تتضمن في بنودها الحل الأمثل للأزمة، وفي مقدمتها المسارعة في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي من خلالها يقول الشعب الليبي كلمته بإرادته الحرة، إذ مناط تقرير مصير الشعوب يعود إليها وحدها، دون وصاية أجنبية أو هيمنة إرهابية وتناولها أي بنود المبادرة على أوسع نطاق عبر وسائل الإعلام، بما يخجل الكيانات المحلية، ويحرج بعثة الأمم المتحدة والدول الغربية المتحكمة في المشهد الليبي، وذلك بإفهامهم أن النخب الوطنية لا تنطلي عليها المآرب، ولا ترتضي الأساليب الهزلية التي تديرها بعثة الأمم المتحدة بشأن الأزمة ومقترحاتها التلفيقية التي لا صدق فيها ولا وصول من خلالها إلى الحلول الحقيقية المُنهية للأزمة، وأنها أي قيادة المبادرة الوطنية لتقدم الحل الأمثل لخروج الليبيين من مأساة الواقع المعاش وأزمتهم المتأزمة التي لم تزدها الحلول التلفيقية السابق طرحها من الأمم المتحدة إلا تأزما.

وباستكمال بنود المبادرة يتم تقديمها أولًا للكيانات المحلية المتمثلة في مجلس النواب والمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة والحكومة وما في حكمها من الكيانات ذات العلاقة ليثبتوا ما إذا كانوا هم فعلًا صناع القرار في ليبيا بأن يسارعوا إلى الاستجابة لما تتضمنه المبادرة في كافة بنودها التي يأتي في أولوياتها الإعلان عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب وقت، وفي حالة عدم الاستجابة لذلك يظل أعضاء تلك الكيانات المحلية قد برهنوا على أنهم ليسوا هم صناع القرار في ليبيا مما يوجب على قيادة المبادرة الوطنية الليبية، أن تتقدم بتلك المبادرة للكيانات الدولية المتحكمة في المشهد الليبي من هيئات ودول ومنظمات بمطالبتها بالحق المكتسب للشعب الليبي في تقرير مصيره وفقًا للنظم والمواثيق الدولية.

وفي حالة مماطلتها وتعنتها بعدم الانصياع لإرادة الشعب الليبي، يظل لا مفر لقيادة المبادرة الوطنية الليبية من دعوة جماهير الشعب إلى الخروج في مظاهرات شعبية سلمية عارمة بكل مناطق الوطن تعلن العصيان المدني ومطالبتها بحق تقرير مصيرها الذي كفلته لها النظم والمواثيق والأعراف والقوانين الدولية، إلى متى يرتضي الشعب أن تبقى بلاده تحت هيمنة الأمم المتحدة؟

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى