نقطة ومن أول السطر
أبو صالح الزوي
ليبيا ليست بخير كما نسمع ونرى من بعض التقارير التي تقوم بنشرها بعض المنظمات أو مراكز البحوث والدراسات التي تعتبر بمثابة ذر للرماد في العيون، فعندما تسمع أن ليبيا تصدرت قائمة أسرع 10 اقتصادات عربية نموًّا عام 2023 في توقعات صندوق النقد الدولي، في تقييم مفاجئ ينعش الآمال بانفراجة في البلاد التي تعاني اضطرابات اقتصادية، قد يتخيل المتتبع أن كافة مشاكل الاقتصاد الليبي سوف تنتهى وتحل مشكلة السيولة في المصارف وينخفض الدولار وترخص الأسعار وتفتح آفاق جديد للاستثمار وفرص العمل، بل إن ما يعطي للبعض نوعًا من الطمأنينة هو أن التقرير يتحدث بلغة الأرقام مدعيًا أن ليبيا ستحقق معدل نمو بمقدار 17.9 بالمئة، مع ارتفاع المؤشرات الإيجابية في كل النواحي الاقتصادية، والتي لم نشاهدْها أو نرها منذ أكثر من عقد من الزمن، وما يدعو إلى الضحك أن معدلات النمو ستجعل ليبيا متفوقة على الإمارات، السعودية، مصر، وعمان أكثر الاقتصاديات استقرارًا في المنطقة.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل مراكز البحوث التي قامت بإعداد هذه التقارير تعلم أن السيولة لم تتوفر في المصارف بشكل منتظم منذ أكثر من عقد من الزمن، وأنه خلال العام 2024 تم فرض ضريبة إضافية على بيع الدولار في المصرف المركزي بنسبة تتعدى نسبة النمو التي توقعها صندوق النقد الدولي وصلت إلى 27% حتى تستطيع الحكومة والمصرف المركزي تأمين التدفقات المالية لتغطية المرتبات والنفقات الحكومية للحكومتين.
الاقتصاديات المستقرة هي التي تشهد تنوعًا في مصادر الدخل وزيادة في معدلات الإنتاج وثباتًا أو انخفاضًا في أسعار السلع، وللأسف كل هذه المؤشرات الإيجابية مفقودة وغير موجودة، بل هناك من يتحدث عن النمو الاقتصادي المتوقع في ليبيا لعام 2025؟ ففي أي مجال هذا النمو؟ وما المعايير التي اعتمد عليها وزير المالية الليبي حتى يصرح لـ CNBC عربية: النمو الاقتصادي المتوقع في ليبيا لعام 2025 بين 14% و16%؟
في ظل عجز الحكومة عن دفع مرتبات العاملين بالقطاع العام واقتراض قيمة المرتبات بداية العام 2025 من المصرف المركزي ليخرج علينا صندوق النقد الدولي ويرجح أن تتصدر ليبيا قائمة الدول العربية من حيث النمو عام 2025، بنسبة نمو متوقعة بلغت 13.7 في المائة، دون أن يوضح المؤشرات التي اعتمد عليها في هذا الترجيح.
لن أكون متفائلًا لأن هناك أشياء تدفع للتفاؤل غير موجودة في ظل الفساد المستشري في جميع أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية، بل وحتى الرقابية منها والتي شرعنت نسبًا معينة ومحددة أمام مرأى ومسمع الحكومة، النمو المؤكد الوحيد في المجتمع هو نمو الفساد على جميع المستويات، وهو ما يعصف بالدولة الليبية نحو الهاوية، حتى وإن تأخر قليلًا فإن ليبيا في طريقها للاقتراض من البنك الدولي، وما أدراك ما الاقتراض من البنك الدولي؟!
ربما المؤشر الحقيقي بعيدًا عن توقعات وزير المالية وصندوق النقد الدولي أن ليبيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تدفع مرتبات لمواطنيها بما يعادل ستة مليارات في الشهر دون تحقيق أي عائد أو إنتاج يذكر في أي مجال، وكم من الوقت تستطيع الحكومة الصمود ودفع هذا المبلغ الضخم في كل شهر والذي يمثل ميزانيات دول طوال عامًا كاملًا؟ فجميع الليبيين ليست لديهم ثقة في الخدمات الصحية التي يقدمها القطاع العام والخاص على حد سواء، وفي انتكاسة لم تحدث منذ تأسيس الدولة الليبية أن يسجن الوزير المسؤول عن قطاع التربية والتعليم الذي كنا نعول عليه أن يكون قدوة حسنة لكافة طلاب ليبيا نتيجة للتزوير والغش، فإذا كان هذا هو قدوة الطلاب في كل ربوع ليبيا فماذا ننتظر من مخرجات هذه الوزارة التي عبثت بثمن الكتاب المدرسي وتلاعبت بالأموال المخصصة للنهوض بهذا القطاع؟
السلبية التي بدأت تنتشر وتتجذر في الأجيال جيلًا بعد جيل، وكأن ما يحدث في ليبيا لا يعنيهم ولا يمت لهم بصلة مكتفين بالمشاهدة دون أي محاولة للتغيير من أجل إنقاذ ما تبقى من شتات الوطن، وقتها ستندمون وقت لا ينفع الندم.