مداخل الشيطان في شهر رمضان
بقلم/ عبدالمجيد قاسم
شهر رمضان شهرٌ للعبادة، والدهر عمومًا بالنسبة إلى المسلمين لا يخلو منه وقت إلا وللعبادة منه حظ، فالمسلم يصلي خمس مرات في اليوم، وفي هذه الصلوات الخمس ينقطع المرء لربه، فبمجرد أن ينطق بتكبيرة الإحرام، فإنه يترك كل شيء؛ عمله وطعامه وشرابه واهتماماته ويتفرغ للقرآن والتسبيح، ويتكرر هذا الأمر خمس مرات في اليوم والليلة.
وفي شهر رمضان الفسحة بين النفس وربها أكبر، فالصيام عبادة تستمر طيلة النهار، مع ما يتخللها من صلوات، وأذكار، وتلاوة للقرآن، والأمر يتفاوت بتفاوت الهمم، فثمة من يستثمر الشهر كما ينبغي، وثمة من يقصر، وثمة من يكون الاعتدال طريقه، وثمة من يفرط.
والوقت يلعب الدور الأكبر في هذا كله، فمن تحكم في الوقت فاز، ومن ضيع الوقت ضاع، والشيطان في إغوائه يركز على الوقت، وله في ذلك مداخل كثيرة، بعضها ظاهر، وبعضها خفي.
ونحن نرى الكم الهائل من الملاهي في رمضان، وجلُّها موجَّه عبر وسائل البث المرئي، فلا يكاد يقترب رمضان حتى تبدأ الفضائيات في الإعلان عن برنامجها الشيطاني لتلهية الناس وصرفهم عن الإقبال إلى ربهم، تحت مسمى التسلية، بما تعرضه في هذا الشهر من مسلسلات ومسابقات وبرامج، وكلها أو جلها لا يخلو من الحرمة في حد ذاته.
ففضلًا عن السفور المقصود، تجد القصص في ذاتها مبتذلة قد لا تخلو من الفحش، هذا فيما يخص المسلسلات، فإذا التفتنا إلى البرامج فهي لا تخلو أيضًا إما من ترويع الناس والسخرية بهم كما في برامج العدسة الخفية، أو الغيبة والنميمة كما في برامج استنطاق الضيوف، التي يتم من خلالها استضافة شخصيات فنية أو عامة.
إذن فمداخل الشيطان كثيرة، ويمكن تصنيفها لبيان خطورتها، والتصنيف سيكون اعتمادًا على الهدف الذي يصبو إليه الشيطان، أو لنقل اعتمادًا على مداخله الأكثر خفاءً عبر التكنولوجيا، والتي ربما لا ينتبه إليها كثير من الناس.
فالشيطان يسعى إلى التأثير على الإدراك والزمن، لذا يستغل التسارع الرقمي ليجعل الإنسان يفقد الإحساس بالوقت، فيمر اليوم وكأنه لحظة، ما يقلل الشعور بقيمة العمر، ويؤجل العمل الصالح باستمرار.
كما يسعى إلى تحريف القيم عبر البرمجة الخفية، فالمحتوى الذكي (الأفلام، الألعاب، وحتى تطبيقات الإنتاجية) يمرر رسائل لا واعية تعيد تشكيل قناعات الناس، فتصبح العبودية لله تبدو كقيود، والحرية المطلقة تبدو كغاية.
كما أن الشيطان يسعى ليجعل الإنسان مدمنًا للبحث بدلًا من الفهم، فالإنسان صار يبحث عن إجابات سطحية سريعة بدلًا من التدبر، فيُصبح عقله مليئًا بالمعلومات، لكنه عاجز عن ربطها، ما يجعله أكثر عرضة للتشكيك والضياع.
وثمة تقنية التلاعب بالمشاعر. وذلك عن طريق الخوارزميات المصممة لإبقائك متصلًا لأطول وقت ممكن، فتغذِّي مشاعر الحسد، الغضب، والخوف، ما يجعل الإنسان دائم الاضطراب، بعيدًا عن السكينة التي تأتي بذكر الله.
كما أن من مساعي الشيطان تحقيق العبودية الرقمية المقنعة، حيث يصبح الإنسان مستعبدًا لرأي الناس، لا يستطيع العيش دون “إعجابات” أو “مشاهدات”، فيتحول رضا البشر إلى غايته، وينسى أن رضا الله هو الأهم.
هذه الأساليب لا تأتي مباشرة، بل تتسلل عبر العادات اليومية، حتى يجد الإنسان نفسه بعيدًا عن الله دون أن يدري، ويتم تكثيفها في مواسم الطاعات، فيخرج المسلم منها خالي الوفاض، لذا وجب التذكير من باب “وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين”، خاصة وأننا في العشر الأواخر من الشهر الكريم، نسأل الله أن يجنبنا مكائد الشيطان، وأن يعيننا عليه وعلى أنفسنا.