-مقالات الرأي

قنبلة فضائية.. في مصيدة الفتن

بقلم/ عفاف الفرجاني

ما يجري بين البلدين تونس وليبيا خارج عن الأعراف الدبلوماسية، سواء من الحكومتين أم الإعلام والنشطاء والأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي، فحسبما صُرح به من قبل الإعلام الرسمي التونسي من خلال برامجه الحوارية أن ليبيا وتحديدًا العاصمة طرابلس هي دولة ميليشيات!
هذا الإسقاط يقودنا إلى ازدواجية الدولة التونسية في تعاملها الانتقائي مع ليبيا وعلى حسب المصلحة، بغض النظر عن كون العاصمة طرابلس تقع تحت براثن نفوذ الميليشيات وحكومة مغتصبة للسلطة. هناك ما هو أكبر ليجمع البلدين، المصالح المتبادلة والتاريخ الطويل من التعاون التجاري غير الروابط الاجتماعية وعلاقات المصاهرة والأخوة.

الذي حدث من أزمات في العقد الأخير ومنذ فبراير 2011 هو نتاج طبيعي لتخبط سياسي بعد مرور الدولتين بما يعرف “بالربيع العربي”، لتصبح العلاقة بين البلدين بين المد والجزر وأزمات متلاحقة من إغلاق الحدود وتهريب الوقود وتهريب البشر إلى المخدرات وتجارة العملة وتهريب السلع… إلخ، كانت في كل مرة تحل بتدخلات لجان مختصة، الذي أثارني في هذا الموضوع وأقلقني هو ردة فعل الإعلام التونسي إزاء الأزمة الأخيرة التي كانت شرارتها قبض السلطات التونسية على مواطن ليبي بتهمة تهريب منتج غذائي (150 ك كسكسي)!!

السؤال الذي يطرح نفسه: كيف لقضاء بحجم دولة تونس المستقلة أن يقع في مصيدة اجتماعية أكثر من كونها جريمة جنائية ويسجن مواطنًا ويحال إلى النيابة العامة بهذه التهمة؟
لنسمِّ الأشياء بمسمياتها ونرفعْ غطاء الكلفة، اليوم الأشقاء في تونس وخاصة في الجنوب التونسي حياتهم الاقتصادية قائمة على تهريب المحروقات والسلع الغذائية والمواد الخام والمصنعة والمدعومة ومنذ عقود طويلة من ليبيا، وهذا لا يعفي تورط بعض الميليشيات في هذا العمل من الجانب الليبي، ومع ذلك لم يشكل في يوم هاجسًا لدى الليبيين حكومة وشعبًا، ويقع غض الطرف ضمن تقديم الدعم للأشقاء في تونس، وفي المقابل المواطن الليبي يتلقى الخدمات العلاجية والسياحية في الشقيقة تونس، إذن العملية نفعية تخدم الطرفين، الذي يحصل اليوم هو فتنة مخطط لها لضرب الدولتين الشقيقتين اجتماعيًّا وأمنيًّا فيما بينهما من أطراف تعيش مراهقة سياسية وتمارس عهرًا إعلاميًّا لا يخدم إلا أعداء الأمة.

في تقديري أن وصف العاصمة الليبية وحكومتها بالميليشيات وصف يسيء للدولة التونسية قبل الليبية، طالما هي حكومة ميليشيات وكلنا نعلم ذلك، ما الذي أجبر الحكومة التونسية على الاعتراف القانوني والسياسي بها؟ بداية من السفير المعتمد من خارجية رئيس حكومة (دبيبة) إلى الاعتراف بوزير الداخلية والتفاوض معه وزيارات الوفود رفيعة المستوى بين البلدين!!

هذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تحدث فيها هكذا أزمات بسبب التشكيل الجيوسياسي المعقد بين البلدين، بل تعدى ذلك ووصل في 2023 إلى أن تونس قامت بإعادة طرح قضية حقل البوري النفطي، رغم تسوية النزاع بقرار محكمة العدل الدولية عام 1982 الذي منح السيادة على الحقل لليبيا، وفي العام الماضي أشار أحد النواب من الجانب التونسي إلى أن أجزاء كبيرة من الأراضي التونسية ظلت خارج الساتر الترابي الذي بنته بلده على حدودها الشرقية، مُبديًا قلقه من احتمالية تحول الساتر إلى حدود طبيعية، رغم أن ترسيم الحدود متفق عليه ومحدد منذ 1910 بين البلدين الشقيقين.

كل هذا يأخذنا إلى شيء واحد أن الحكومة التونسية تتعامل بمنطق الكيل بمكيالين، وهذا لم نحدده نحن، بل أعلن عنه من خلال إعلامهم الرسمي، ونحن كمراقبين نجد أن الإعلام التونسي وقع في مصيدة الفتن المستفيد الأول منها عدو الدولتين.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى