مقالات الرأي

المؤسسة الوطنية للنفط: بين أزمة الفساد وتراجع الإيرادات

بقلم/ عثمان الدعيكي

تواجه المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا تحديات جسيمة منذ استقالة رئيسها السابق فرحات بن قدارة في سبتمبر 2023، حيث أصبحت ساحة صراع بين مختلف الأطراف السياسية، ما انعكس سلبًا على أداء القطاع النفطي، الذي يمثل 95 % من عائدات الدولة الليبية.

جاءت هذه الاستقالة بعد خلافات حادة بين محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق وحكومة الوحدة الوطنية حول إدارة العائدات النفطية، التي بلغت 18.2 مليار دولار في عام 2022، وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي. وعقب الاستقالة، تم تعيين قيادة مؤقتة للمؤسسة وسط انقسامات حادة، ما عمَّق أزمة الشرعية وأدَّى إلى تضارب القرارات.

وفقًا لبيانات وكالة الطاقة الدولية، انخفض إنتاج النفط الليبي من 1.28 مليون برميل يوميًّا في النصف الأول من 2023 إلى 1.04 مليون برميل يوميًّا في 2024، أي بتراجع نسبته 18.7%. وتقدر المؤسسة الخسائر المالية الناجمة عن هذا الانخفاض بنحو 4.3 مليار دولار سنويًّا. هذا التراجع أدَّى إلى انخفاض حصة ليبيا في سوق النفط العالمي من 1.4% إلى 1.1%، ما يهدد مكانتها كمصدر مهم للنفط في منطقة البحر المتوسط.

وكشف تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2024 أن قطاع النفط الليبي يفقد ما يقارب 2.7 مليار دولار سنويًّا بسبب الفساد وعمليات التهريب، وهو ما يمثل 15% من إجمالي الإيرادات النفطية. كما أشار تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة إلى أن 17% من النفط الليبي المنتج يتم تهريبه عبر شبكات منظمة بالتعاون مع مسؤولين في المؤسسة والموانئ، ما يحرم الخزينة العامة من إيرادات تقدر بـ 3.1 مليار دولار سنويًّا.

وفق مؤشر إدارة الموارد لعام 2024، حصلت ليبيا على 29 نقطة من أصل 100 في مؤشر شفافية قطاع النفط، متراجعة 7 نقاط عن تقييم 2021، ما يضعها ضمن الدول ذات الأداء الضعيف في إدارة الموارد الطبيعية.

وتشير تقديرات معهد دراسات الأمن والسلام إلى أن المجموعات المسلحة تسيطر على 62% من منشآت النفط الليبية، ما يؤثر بشكل مباشر على آليات اتخاذ القرار داخل المؤسسة. كما أظهرت دراسة البنك الدولي أن 34% من ميزانية تشغيل حقول النفط تُصرف كـ “تكاليف أمنية” لصالح هذه المجموعات، أي ما يعادل 820 مليون دولار سنويًّا، وهو ما يشكِّل استنزافًا كبيرًا لموارد القطاع.

علاوة على ذلك، فإن القرارات الإدارية والمالية داخل المؤسسة أصبحت خاضعة لتوجهات خارجية أكثر من كونها تستند إلى اعتبارات مهنية، حيث إن 73% من التعيينات في المناصب العليا بالمؤسسة تتم بضغوط من أطراف متنفذة.
وفي ظل هذه التحديات، أعلنت المؤسسة عن خطة لزيادة الإنتاج إلى 1.8 مليون برميل يوميًّا بحلول نهاية 2025، باستثمارات تقدر بـ 6.2 مليار دولار، وفق تصريحات رسمية، كما وقَّعت اتفاقيات مع شركات عالمية بقيمة 3.7 مليار دولار لتطوير حقول نفطية متعثرة.

تشمل خطط الإصلاح التعاون مع مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI) بهدف تحسين مؤشر الشفافية من 29 إلى 45 نقطة خلال العامين المقبلين.

لكن تقرير وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني شكَّك في إمكانية تحقيق هذه الأهداف، مشيرًا إلى أن “الانقسام السياسي وضعف الحوكمة يقللان فرص نجاح خطط الإصلاح بنسبة 62 %”.

في تقرير صدر في فبراير 2025، خفَّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الليبي من 3.5% إلى 1.8% بسبب التحديات التي يواجهها قطاع النفط. كما يرى معهد أكسفورد لدراسات الطاقة أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى انخفاض إضافي في الإنتاج بنسبة 12% بحلول نهاية 2025، ما لم يتم إصلاح هيكلي شامل للمؤسسة الوطنية للنفط.

يبقى مستقبل المؤسسة الوطنية للنفط رهنًا بقدرة البلاد على تجاوز أزماتها السياسية وتحقيق الاستقرار المؤسسي الذي يضمن إدارة شفافة وفعالة للثروة النفطية. فبدون إصلاحات حقيقية وإطار قانوني يحمي قطاع النفط من الفساد والتجاذبات السياسية، ستظل ليبيا تفقد مواردها الحيوية، ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى