رمضان بين العادة والعبادة
بقلم/ عبد المجيد قاسم
رمضانُ شهرٌ مميزٌ، يتم الاستعداد له بشكل لا يشاركه فيه باقي الشهور، وفيه تتنوع العادات، وتحلو السهرات، ويكون للزيارات فيه طعم آخر، والعادات في هذا الشهر الكريم، منها ما هو مشترك بين المسلمين، ومنها ما يختص به شعب عن آخر.
والمشترك بين المسلمين معلوم، فصلاة التراويح في رمضان مشتركة بين المسلمين من مشارق الأرض إلى مغاربها، يحرص عليها الصغير والكبير، حتى إنك قد تجد الشوارع خالية من المارة في بعض الأماكن أثناء أدائها.
وصلاة التراويح عادة بجانب كونها عبادة، هي طقس رمضاني جماعي، وسنة نبوية أحياها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، فالنبي، صلى الله عليه وسلم، صلاها بالناس مرتين أو ثلاثًا، خرج لها فاجتمعوا خلفه، فصلى بهم ليلتين أو ثلاثًا، ثم لم يخرج لها، وفي الصباح قال: “إني خشيت أن تفرض عليكم”، وعندما زال احتمال فرضها، ووجدت الحاجة إلى جمع الناس على إمامٍ واحدٍ في المسجد أمر عمر المصلين بذلك، واستمر الأمر حتى يومنا هذا.
ولأنها عادة فالحرص عليها من كثير من الناس أشد من الحرص على أداء الفريضة في جماعة، مع أن الفريضة أولى، والمالكية على سبيل المثال يرون أن أداءها في البيوت أفضل من أدائها في المساجد إلا إذا خيف أن تخلو المساجد ممن يؤديها.
وعمر بن الخطاب نفسه عندما رأى الناس وقد اكتظ بهم المسجد خلف أبي بن كعب، يصلون التراويح، قال: “نعم البدعة هذه”، يقصد البدعة بمعناها اللغوي لا الشرعي، وقال: “والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون”، أي التي في آخر الليل ويصلونها في البيوت أفضل.
والمشترك بين المسلمين أيضًا أن لكل شعب أكلاته التي يختص بها في هذا الشهر الكريم، ثم يختلف كل شعب بعد ذلك بحسب المطبخ، فالمطبخ العربي يختلف عن غيره، ولكل قطر عربي مطبخه الخاص، وأكلاته التي تمثل تراثًا عتيدًا لا يمكن التخلي عنه.
وبرغم أن هذه الأكلات التي تقدم في هذا الشهر شهية يسيل لها اللعاب، فإنها –عادة- لا تقدم في غيره، ولو قدمت فلن يكون لها نفس الطعم واللون والرائحة التي في رمضان، ولا أدري لماذا!
فالشربة الليبية التي تتمازج فيها نكهات قطع اللحم، بالطماطم، بالكسبر الأخضر، بالنعناع، بالبهارات، ليست بذات الطعم ولا الرائحة إذا قدمت في غير رمضان، وشرائح البطاطا المغلفة بمسحوق الخبز الجاف، وبينها مزيج مفروم اللحم بالبهارات بالثوم، أي التي تسمى (امبطن) شهية في كل وقت، لكنها في رمضان أشهى وألذ.
وبرغم أن الشهية قد تتراجع أثناء الإفطار، نتيجة السفرة الأولى، التي تحتوي عادة على التمر، والحليب، والعجة، والبسيسة، وحاجة أو اثنتين من أصناف الحلو، وكأس عصير من أي صنف، وغالبًا فراولة، فهذه السفرة كفيلة أن تشعرك بالشبع حتى الفجر، فإن الهجمة المرتدة التي تُشن خلال منتصف الليل كفيلة بأن ترضي ربة البيت التي يهمها أن يؤكل ما صنعته يداها، وبذلت مجهودًا لا يقل عن مجهود شيفات أكبر المطاعم في إعداده.
والتسوق في رمضان له نكهته الخاصة، وهو من الأمور المشتركة بين المسلمين، والمواسم الدينية عمومًا فرصة لرواج التجارة، وهو أمر مشاهد حتى لدى أهل الأديان الأخرى، فعيد (المندرين) لدى البوذيين، و(الديفالي) لدى الهندوس، و(الكريسماس) لدى المسيحيين مواسم دينية ومواسم للتسوق والتخفيضات، شاهدت ذلك بأم عيني في عديد البلدان.
وفي رمضان يدق الأمر، لأنه يليه العيد، والتجهيز للعيد تلزمه نفقات خاصة، كما أن عين الصائم ليست كعين غيره، فهو يرى كل شيء يؤكل شهيًا، وهو بالمفهوم الدارج (يتشهى)، ولا يمكن كبح جماح النفس عن شراء ما يصلح وما لا يصلح والمعدة خاوية، وإذا جاعت البطون غابت العقول! لذا فقد يشتري الصائم أشياء فتنسى وتلقى في زاوية من الثلاجة، ولا يتم اكتشافها إلا بعد مدة.
والخلاصة، أن شهر رمضان ليس فقط شهر عبادة، بل هو شهر فرحة يتم ترجمتها في طقوس وعادات تخرج الناس من رتابة الحياة، ومن السأم والملل الذي قد يتسلل إلى النفوس ويصيبها بالاكتئاب، وما علينا سوى الموازنة بين متطلبات الجسد ومتطلبات الروح حتى نظفر بما جُعل الشهر من أجله، وهو المغفرة ورضا الرحمن.