النطق بالحكم من قاضٍ لم يسمع المرافعة للضرورة
بقلم/ غادة الصيد
الأصل وفقًا للمبادئ العامة للقانون الإجرائي أنه يجب على القضاة الذين استعموا إلى المرافعة واشتركوا في المداولة أن يحضروا جلسة النطق بالحكم، وعلة ذلك هي التعبير عن صدور الحكم من جميع أعضاء المحكمة، كما أن المحكمة التي تداولت في الحكم يجوز لها أن تعدل عن رأيها الذي تم التداول بشأنه في أي لحظة قبل النطق به حتى ولو تم التوقيع على مسودته، ولكنه هذا الأصل الإجرائي لا يعمل به على الإطلاق، فقد تقضي حالة الضرورة الخروج عليه، إذا قد يحصل عذر قهري للقاضي الفرد أو أعضاء الدائرة أو أحدهم يحول بينه وبين الحضور في الموعد المحدد لجلسة النطق بالحكم، كالمرض مثلًا، ففي هذه الحالة يحل قاضٍ أو قضاة آخرون محل القاضي أو القضاة الغائبين للنطق بالحكم بدلًا عنهم، على الرغم من إنهم لم يسمعوا المرافعة أو يشتركوا في المداولة، ووجه الضرورة هنا ظاهر في الخروج على الشكل الإجرائي الذي مقتضاه وجوب صدور الحكم مسودة ومنطوقًا من القاضي أو القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا في المداولة، ولكن تغليب مصلحة الجماعة والخصوم في سرعة الفصل وإنجاز القضايا هو الأولى بالاعتبار ما يتحقق معه حسن سير العدالة بدلًا من تأخير صدور الأحكام وتأجيلها، لا سيما وقد تمت المداولة فيها وكتبت أسبابها ووقعت من القاضي أو القضاة الذين أصدروها، فالبطء في العدالة نوع من الظلم يجب تفاديه.
ولذلك فإن الضرورة اقتضت إجازة النطق بالحكم من قضاه آخرين بدلًا من القضاة الغائبين، إذا كان سبب عدم النطق بالحكم من الهيئة الأصلية ليس إلا مانعًا ماديًّا حال بدون حضورها كلها أو بعضها يوم الجلسة، ولم يكن لسبب راجع إلى نية الهيئة تغيير وجه الرأي في الحكم.
وبالنسبة إلى القانون الليبي فإن إجراء النطق بالحكم من قاض لم يسمع المرافعة لم يرد بشأنه نص في قانون الإجراءات الجنائية أو في قانون المرافعات – الذي يعتبر القانون الإجرائي العام – ولكن علاج هذا الإجراء ورد في اجتهادات المحكمة العليا، حيث استقرت أحكامها على إجازة النطق بالحكم من غير القضاة الذين استمعوا إلى المرافعة واشتركوا في المداولة، وقضت بأن النطق بالحكم هو نافلة لا تستجوبه نصوص القانون على ذات الهيئة التي أصدرته، وقضت أيضًا بأنه لما كان الثبات من ديباجة الحكم المطعون فيه أن الهيئة التي أصدرته هي ذات الهيئة المثبتة بمحضر الجلسة التي سمعت فيها المرافعة وفيها قررت حجز الدعوى للحكم، وغياب أحد أعضائها الذي مد فيها أجل النطق بالحكم إلى جلسة أخرى، وصدور الحكم بهذه الجلسة الأخيرة مع ثبوت عدم حضوره لا يعني بالضرورة أن الحكم صدر من الهيئة الجديدة التي لم يحضر أحد أعضائها المرافعة، بل يفهم من ذلك أن الهيئة الجديدة اقتصرت على النطق بالحكم الصادر عن الهيئة السابقة، ولما كانت الضرورة استثناء على الأصل فإنه يلزم عدم التوسع فيها بحيث لا يجوز إعمالها إلا وفقًا لمقتضياتها وتوافر شروطها، وبالتالي لا يجوز النطق بالحكم من غير القاضي أو القضاة الذين استمعوا إلى المرافعة واشتركوا في المداولة إلا بتوافر شروط، وهي:
- أن يكون القاضي أو القضاة الذين اشتركوا في إصدار الحكم قد وقَّعوا على مسودته بما يثبت سمعه للمرافعة واشتراكهم في المداولة، لأن مسودة الحكم التي يشترك في إعدادها القضاة تكون مشتملة على المنطوق والأسباب التي قام عليها الحكم، وأن التوقيع عليها ممن أصدرها، دليل على المداولة الجدية والمعمقة في منطوق أسباب الحكم، وعلى أن المحكمة بهذا التوقيع قد حسمت أمرها وصممت على عقيدتها المثبتة في الحكم فضلًا عن أن كتابة الأسباب قبل النطق بالحكم فيها ضمانة لاستقامته، فكتابة الرأي قبل الجهر به تسمح بتقديره والتروي فيه، وقد تؤدي إلى العدول عنه أو تعديله، ولذلك فإنه لا يصح أن يحل قاض محل قاض آخر للنطق بالحكم إذا كان القاضي الغائب قد وقع على المنطوق فقط.
- أن يتم النطق بالحكم من محكمة مشكلة تشكيلًا قانونيًّا، وبيان ذلك أن قانون نظام القضاء، رقم (6) لسنة 2006 نظم كيفية تشكل الدوائر بالمحاكم في المادتين 13-17، ولا جدال في أن تشكيل الدوائر القضائية يتعلق بالتنظيم القضائي في الدولة، ولذلك فإنه يعد من مسائل النظام العام، ويترتب على مخالفته بطلان الأحكام الصادرة عن المحاكم إذا كانت مؤلفة على خلاف هذا التنظيم القضائي، والبطلان هنا بطلان مطلق يجوز للمحكمة العليا أن تحكم من تلقاء نفسها دون حاجة إلى التمسك به.
- ألا يكون القاضي الغائب قد فقد ولايته القضائية، سواء حصل ذلك بالوفاة أم بالعزل أم بالاستقالة أم بالنقل إلى وظيفة أخرى، ففي هذه الحالات يجب إعادة فتح باب المرافعة، ولا يجوز أن يحل محله قاض آخر للنطق بالحكم بدلًا عنه، لأن القاضي الغائب انتهت ولايته القضائية، ولما كان النطق بالحكم هو الإجراء الأخير من إجراءات الدعوى وبالتالي يلزم لسلامته أن يثبت صدوره إلى من له ولاية القضاء وقت النطق به، ولا تزول ولاية القاضي في حالة ندبه إلى عمل آخر على سبيل التفرغ، أو استقالته إلا إذا بلغ رسميًّا نقله أو ندبه قلب استقالته ويتم إخطاره.
- في حالة النطق بالحكم من هيئة جديدة لم تسمع المرافعة يجب ألا تدون أسماؤهم في ديباجة الحكم، وإنما تكتب أسماء الهيئة التي نظرت الدعوى، وأن تدون ملاحظة في نهاية أسباب الحكم تبين أعضاء الهيئة الذين نطقوا به، أما إذا حدث العكس وسجلت أسماء القضاة الذين نطقوا بالحكم في ديباجته، فإن الحكم يكون باطلًا بطلانًا متعلقًا بالنظام العام تحكم به المحكمة العليا من تلقاء نفسها على أساس أنه صدر من قاض لم يسمع المرافعة أو يشترك في المداولة، خلافًا للمادة 273 من قانون المرافعات، باعتباره القانون العام بالنسبة إلى قواعد الإجراءات الجنائية.