الغذاء في الوطن العربي.. بين التحديات المحلية والأزمات العالمية
بقلم/ عثمان الدعيكي
يواجه الوطن العربي أزمةً غذائيةً متفاقمة، حيث تعاني معظم دوله من تحديات تؤثر على تحقيق الأمن الغذائي، سواء بسبب عوامل داخلية مثل قلة الإنتاج الزراعي، أم عوامل خارجية مثل تقلبات الأسعار العالمية واضطرابات سلاسل التوريد. ووفقًا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، تستورد الدول العربية ما بين 50% و90% من احتياجاتها الغذائية، وفقًا لاختلاف الموارد الزراعية لكل دولة، ما يجعل المنطقة أكثر عرضة للأزمات الاقتصادية العالمية.
تشير الإحصائيات إلى أن الدول العربية تضم نحو 5% من سكان العالم، لكنها لا تساهم بأكثر من 2-3% من الإنتاج الغذائي العالمي. هذا الخلل بين العرض والطلب يؤدي إلى اعتماد متزايد على الاستيراد، ما يعرِّض الأمن الغذائي في المنطقة لمخاطر كبيرة، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي تؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي.
في السنوات الأخيرة، شهدت أسعار السلع الغذائية الأساسية مثل القمح والأرز ارتفاعًا كبيرًا بسبب الأزمات العالمية. فعلى سبيل المثال، أدى الصراع في أوكرانيا إلى زيادة أسعار القمح بأكثر من 40% عالميًّا في ذروة الأزمة، وفقًا لتقارير البنك الدولي. وبالنسبة إلى الدول العربية التي تعتمد بشكل كبير على استيراد القمح، كان لهذا الارتفاع تأثير مباشر على أسعار الخبز والمواد الأساسية، ما أدى إلى تفاقم الضغوط المعيشية على الأسر الفقيرة.
تعد ليبيا واحدة من أكثر الدول العربية تأثرًا بالأزمة الغذائية، نظرًا إلى اعتمادها الكبير على الواردات، حيث تستورد 85-90% من احتياجاتها الغذائية، وفقًا للبنك الدولي، وتعتمد ليبيا -بشكل أساسي- على استيراد القمح والزيوت والسكر، ما يجعلها شديدة التأثر باضطرابات الأسواق العالمية، وقد تفاقمت الأزمة بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة منذ اجتياح حلف الناتو وإسقاط النظام في عام 2011، ما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي وضعف الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.
إن نقص الأمن الغذائي في ليبيا له تداعيات خطيرة على حياة المواطنين، حيث تعاني الأسر ذات الدخل المحدود من صعوبة الحصول على المواد الغذائية الأساسية. كما أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر وسوء التغذية، الأمر الذي ينعكس على الصحة العامة، حيث تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية في بعض الدول العربية بنسبة 15% خلال السنوات الخمس الماضية.
بالإضافة إلى العوامل الداخلية، تلعب الأزمات العالمية دورًا كبيرًا في تفاقم الأزمة الغذائية في الوطن العربي. فالتغيرات المناخية، مثل الجفاف وندرة المياه، تؤثر على الإنتاج الزراعي المحلي، في حين أن اضطرابات سلاسل التوريد الناجمة عن جائحة كوفيد-19 زادت من صعوبة تأمين السلع الغذائية في الوقت المناسب.
ولمواجهة الأزمة الغذائية، تحتاج الدول العربية إلى تبنِّي استراتيجيات متكاملة تهدف إلى زيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد. وتشمل هذه الاستراتيجيات:
- دعم القطاع الزراعي من خلال الاستثمار في التقنيات الحديثة كالزراعة الذكية، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتشجيع المزارعين المحليين.
- تحسين البنية التحتية الغذائية، مثل تطوير مرافق التخزين والنقل، لضمان وصول المواد الغذائية إلى المستهلكين بأسعار معقولة.
- التعاون الإقليمي بين الدول العربية لإنشاء تحالفات غذائية تتيح تبادل الموارد الغذائية وتعزيز التكامل الزراعي، ما يقلل الاعتماد على الأسواق العالمية.
إن أزمة الأمن الغذائي في الوطن العربي ليست مجرد مشكلة اقتصادية، بل هي تحدٍّ استراتيجيٌّ يؤثر على استقرار المجتمعات ومستقبل الأجيال القادمة. وفي ظل الأوضاع الراهنة، تحتاج الدول العربية، وعلى رأسها ليبيا، إلى إصلاحات جذرية في السياسات الزراعية والغذائية لضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل المخاطر الناتجة عن الأزمات العالمية. بدون اتخاذ خطوات جادة، سيظل الأمن الغذائي في المنطقة هشًّا وعرضة للاضطرابات، ما يهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.