الحاجة إلى انتفاضة شعبية
بقلم/ عبدالله ميلاد المقري
يشهد العالم بقلق بالغ ما يجري في الوطن العربي من اضطرابات سياسية انعكست سلبًا على الاقتصاد والمجتمع، ما أدى إلى فقدان شعوب هذه الأمة لاستقرارها واستقلالية قراراتها السياسية والاقتصادية، لقد أصبح التدخل الخارجي عاملًا رئيسًا في التأثير على سيادة الدول العربية، حيث تصاعدت الضغوط الدولية ضمن مشروع “الربيع العربي” الذي أعدته الإدارات الأمريكية السابقة بمشاركة مراكز الأبحاث والدراسات وبعض المفكرين الاستراتيجيين.
لقد تكفلت أجهزة الاستخبارات الأمريكية والصهيونية والغربية بتنفيذ هذا المخطط، وساهمت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، خلال إدارة باراك أوباما، في إشعال فتيل الفوضى في المنطقة بالتنسيق مع جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين، هذا التنظيم، الذي يرتبط تاريخيًّا ببريطانيا، عمل تحت إدارة الاستخبارات البريطانية والأمريكية لمراقبة أي حراك عربي يسعى إلى التحرر من القوى الرجعية التي تسيطر على مفاصل السلطة، ورغم ما تدَّعيه الدول الغربية من التزامها بحقوق الإنسان والديمقراطية، فإن الواقع يكشف تناقضًا صارخًا في سياساتها، حيث تدعم التنظيمات الإرهابية المختلفة وتستغلها كأدوات لتنفيذ أجنداتها في العالم العربي، هذا النهج كان واضحًا في استهداف الدول العربية التي شهدت حركات قومية أسقطت الأنظمة الرجعية وأقامت أنظمة وطنية، تمكَّن فيها الشعب من تقرير مصيره وفق ديمقراطية حقيقية، كما كان الحال في ليبيا قبل العدوان عليها.
لقد تعرضت ليبيا لعدوان همجي شاركت فيه دول غربية وعربية عبر تحالف الناتو، مدعومًا بموقف الجامعة العربية المخزي، ما أدى إلى تدمير البنية الوطنية للبلاد، غير أن مقاومة الشعب الليبي لهذا العدوان سجلت ملحمة بطولية ستظل مصدر فخر واعتزاز لكل الأحرار، تمامًا كما ناضل أجدادنا ضد الاستعمار الإيطالي حتى تحقق الاستقلال رغم المآسي والمجازر. واليوم، نجد السلطة الفاسدة التي تتحكم في مصير ليبيا ترتمي في أحضان الخارج، كما فعل فايز السراج حين استدعى القوات التركية ومرتزقتها عبر اتفاقيات مذلة، وهو النهج ذاته الذي واصله عبد الحميد الدبيبة بِرَهن ليبيا بالكامل للنفوذ العسكري والاستخباراتي الأجنبي، هذا الوضع الكارثي يتطلب انتفاضة شعبية حقيقية، تقف فيها الجماهير إلى جانب قواتها المسلحة الوطنية لإسقاط هذه السلطة الفاسدة، واستعادة وحدة البلاد، وبناء دولة وطنية مدنية تحقق الحرية والاستقرار، وتضمن حياة كريمة للشعب الليبي بعيدًا عن الفساد والاستغلال.