مقالات الرأي

إلى متى تبقى ليبيا مقطعة الأوصال وارتضاء شعبها لأن تبقى تحت هيمنة منظمة الأمم المتحدة

بقلم / عبدالسلام مهاجر قريره

ألم يأن لليبيين لأن يستلهموا الرشد من أسلافهم في إنقاذ بلادهم من الهيمنة الأجنبية؟ ..كما هو معلوم أن ليبيا بعد الحرب العالمية الثانية تم إنهاء الاحتلال الإيطالي بها، وظلت بعده ترزح تحت وطأت الاحتلال البريطاني في كل من برقة وطرابلس والاحتلال الفرنسي في فزان .

ولعدم ارتضاء النخب الوطنية لعودة الاحتلال الأجنبي لبلادهم، فقد سارعوا لتكوين كيانات نضالية ضد الاحتلال الاجنبي الجديد، بأن تم تأسيس عدة أحزاب وطنية في إقليم طرابلس منها : الحزب الوطني ، وحزب الكثلة الوطنية ، وحزب العمال ، وحزب الأحرار.

وقد تم توحيد هذه الأحزاب بدمجها في حزب واحد أطلق عليه (حزب المؤتمر الوطني)، وتم اختيار المناضل بشير السعداوي رئيسا له، كما تأسست بإقليم برقة جمعية عمر المختار واختيار مصطفى بن عامر رئيسا لها، وتأسست بإقليم فزان الجمعية الوطنية، واختيار عبدالرحمن البركولي رئيسا لها، وتم الانطلاق لوحدة الأقاليم الثلاثة تمهيدا للمطالبة باستقلال ليبيا الموحدة، بأن تم التواصل بين قيادات تلك المكونات والنخب الوطنية.

وبعد عقد عدة جلسات تشاورية فيما بينها تمت الموافقة على الوحدة الوطنية والمطالبة باستقلال ليبيا الموحدة، بأن تمت مطالبة الجمعية العامة للامم المتحدة لمنح ليبيا استقلالها اسوة بالدول العربية التي تم منحها الاستقلال.

وقد عملت الجمعية العامة على تشكيل لجنة رباعية من نواب وكلاء وزراء خارجية الدول الكبرى امريكيا وروسيا وبريطانيا وفرنسا لزيارة ليبيا واستطلاع الرأي الشعبي الليبي من حيث منح الاستقلال او جعل ليبيا تحت وصاية الدولتين بريطانيا وفرنسا، وباستطلاع الرأي الشعبي من قبل أعضاء اللجنة الرباعية كانت اغلبية الآراء المطالبة بالاستقلال ورفض الوصاية الأجنبية.

وهنا نقول ما أشبه الليلة بالبارحة بأن برز صراع الدول الكبرى على اقتسام الكعكة ومن يكن له النصيب الأوفر منها، بأن تمسكت بريطانيا وفرنسا بحقها في الاستمرار في احتلال ليبيا في الوقت الذي عارضتهما فيه أمريكيا وروسيا
عندها اغتاظت بريطانيا وفرنسا من الموقف الامريكي الروسي
بما دعى وزير خارجية بريطانيا المدعو ( بيفن ) لان يتشاور مع وزير خارجية فرنسا المدعو (شومان)، لأن يتم ادخال إيطاليا معهما في الصراع ضد امريكيا وروسيا.

وذلك بتقديم مشروع للأمم المتحدة بجعل ليبيا تحت الوصاية لمدة عشر سنوات، تتكفل خلالها بريطانيا بتنمية البنية التحتية لإقليم برقة وتتكفل إيطاليا بتنمية إقليم طرابلس وتتكفل فرنسا بتنمية إقليم فزان، وبعد انتهاء العشر سنوات تكون ليبيا قد توافرت فيها مقومات بناء دولة مستحقة للإستقلال .

وبذلك تم تقديم مشروع الوصاية الى الجمعية العامة للأمم المتحدة
الذي وقعه وزيري خارجية بريطانيا وإيطاليا وأطلق عليه ( مشروع بيفن اسفوزا )، الذي بالتصويت عليه بتاريخ: 17 / 5 / 1949 أسقط بفارق صوت واحد ذلك هو صوت ( ايميل سانلو ) مندوب هاييتي بالأمم المتحدة، وبذلك انقلب السحر على الساحر كما يقولون.

بعدها طالبت القوى الوطنية الليبية بمنح الاستقلال لليبيا فعقدت الجمعية العامة اجتماعها بتاريخ 21 نوفمبر 1949م للتصويت على مطلب منح الاستقلال من عدمه فكانت اغلبية الأصوات بالموافقة على منح الاستقلال على ان يكون
يوم 24/12/1951 .

وبناء على ذلك تمت تسمية مندوب للامم المتحدة وهو السيد ( ادريان بلت ) للإشراف على اجراءات تأسيس الدولة الليبية الوليدة باعداد دستور لها يوضح كيفية نظام الحكم ومؤسسات الدولة.

فأول إجراء قام به مندوب الامم المتحدة دعوة الأقاليم الثلاثة باختيار عشرين شخصية وطنية من كل اقليم تتشكل منهم اللجنة التأسيسية لاعداد الدستور، وبتشكيل تلك اللجنة طرح مندوب الأمم المتحدة على أعضائها مسودة الدستور المتضمن أن نظام الحكم للدولة الليبية ، ملكي فدرالي يحتوي على تكوين حكومة اتحادية ومجلسين إحداهما للشيوخ والآخر للنواب وثلاثة ولايات لكل ولاية مجلس تنفيدي وآخر تشريعي وتسمية الدولة باسم ( المملكة الليبية المتحدة ) وأن يتم تنصيب السيد محمد ادريس السنوسي ملكا على ليبيا.

فصادق أعضاء اللجنة التأسيسية على الدستور وتم الإعلان عنه بتاريخ 7/10/1951، وتمت مبايعة السيد محمد ادريس وتنصيبه ملكا للمملكة الليبية المتحدة الوليدة، كما تم الاعلان عن انتخاب مجلس النواب في فبراير 1952.

ورغم أنه قد منحت ليبيا استقلالها وظلت دولة معترف بها كعضو بمنظمة الأمم المتحدة وبالجامعة العربية وبمنظمة الوحدة الأفريقية، إلا أن الدول الإستعمارية ظل لها نفوذها ووجودها بإقليم الدولة الليبية متمثلا في القواعد العسكرية البريطانية والفرنسية والأمريكية فضلا عن مصالحها الإقتصادية وهيمنتها السياسية بطريقة مستترة.

فهكذا كانت ليبيا الأمس مطمعا للدول الإستعمارية ومحل تنافس في مابينها على الفوز بالتربع على إقليمها الذي يمثل من حيث المساحة شبه قارة تطل على حوض البحر المتوسط بطول الفين كيلو مثر وتتعمق في الصحراء جنوبا وغربا وشرقا بآلاف الكيلو مترات مما جعل ليبيا تمتاز بالموقع الجغرافي الإستراتيجي المتميز الذي أغرى تلك الدول لأن تتطاحن عليها

وهكذا كان نضال الشخصيات الوطنية الليبية من اجل افتكاك بلادهم ليبيا من ربقة الإحتلال الأجنبي الذي تمثله دول كبرى والذي كان من الصعوبة بمكان احراز الإنتصار عليها إذا ماقورن الأمر بالأمكانيات المادية والسياسية

ولكن قوة الإيمان بعدالة القضية وقوة العزيمة وصلابة الإرادة والإخلاص للوطن ظل هو السلاح الأقوى لهؤلاء المناضلين الشرفاء في مواجهة القوة العاتية التي تمتلكها تلك الدول بما جعلهم يحرزون النصر على أعدائهم وإن كان جزء من المبتغى وهو نيل السيادة الكاملة،وحتى وإن كان استقلال منقوصة فيه السيادة لبقاء بعض تلك الدول الإستعمارية متمتعة بإمتيازاتها العسكرية وهيمنتها السياسية فضلا عن التحكم في الموارد الإقتصادية الزراعية والصناعية التي يتمتع بخيراتها بقايا الإيطاليين المستوطنين في ليبيا.

رغم ذلك كله فلا يعد ذلك الاستقلال المنقوصة فيه سيادة الدولة نقيصة
في حق هؤلاء المناضلين الليبيين حيث ليس بالإمكان أكثر مما كان، بأن أثمرت جهودهم النضالية إيجاد مؤسسات محلية وطنية تدار بواسطة شخصيات وطنية أسهمت في النهوض بالمجتمع الليبي في بعض المجالات، وهيأت السبيل الى أن تنال ليبيا سيادتها الكاملة على كامل إقليمها بعد قيام الثورة في اول سبتمبر عام 1969 التي قامت بإجلاء القواعد البريطانية بتاريخ 28/3/1970م والقواعد الامريكية بتاريخ الحادي عشر من شهر يوليو من ذات العام وطرد المستوطنين الايطاليين بتاريخ السابع من شهر اكتوبر من العام ذاته .

بما جعل عام 1970م يسمى عام إجلاء التواجد الأجنبي عن التراب الليبي وكمال سيادة الدولة.

فأين أبناء ليبيا اليوم مما يرونه أن التاريخ يعيد نفسه؟ وما أشبه الليلة بالبارحة بأن أصبحت بلادهم اليوم حلبة صراع بين الدول الكبرى مثلما كانت في سابق عهدها من القرن المنصرم.

وأين أبناء ليبيا اليوم من أسلافهم المناضلين بالأمس وهم يرون بلادهم تتعرض لمؤامرة دولية لها مخاطرها الآنية والأخطر منها المستقبلية, بأن ظلت ليبيا فريسة تتناهشها السباع والضباع والذئاب والكلاب وجعلها تسود فيها شريعة الغاب إن لم تكن شريعة الغاب أعدل

كما جعل ليبيا محل الفوضى العارمة المستهدف فيها بطريقة ممنهجة انتهاك سيادتها ونهب ثرواتها وجعلها ساحة مفتوحة تتنامي فيها الجريمة المنظمة في مختلف مجالاتها الإرهابية من تهريب بشر ومخدرات وأسلحة وكل الموارد الإقتصادية, والتشجييع على تنامي الهجرة غير الشرعية من مختلف دول الجوار الطاردة خاصة منها الجنوبية لتكون جاليات تمثل مع مرور الزمن الاعداد الرهيبة التي قد يفوق عددها عدد ابناء الشعب الليبي ويظل حقها في يوم من الأيام مكفول في المطالبة بتقرير المصير.

إلى غير ذلك من المخاطر المحدقة بليبيا من خلال مستهدفات المؤامرة الدولية التي رسمت مخططاتها مسبقا ونفذت عام 2011 والتي اكتشفت خفاياها ودسائسها للعامة خلال السنوات العجاف التي عاشها الشعب الليبي وذاق فيها سوء العذاب على مدى أكثر من عقد زمني

أليس حري بأبناء الوطن اليوم لأن يستلهموا الرشد من أسلافهم الذين ناضلوا من اجل ليبيا بالأمس ، بأن يستنهضوا الهمم بكافة فئاتهم النخبوية الوطنية الصادقة سواء منها النخب السياسية او القانونية أو الثقافية او الإعلامية أو الإجتماعية وغيرها من الفئات النخبوية الوطنية الأخرى والتواصل فيما بينها لتتناول الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب الليبي والإحساس بعمق جراح الوطن ، بالتفكير في كيفية إيجاد الحلول الناجعة للأزمة الليبية المتأزمة

بتشكيل فرق عمل وطنية ، تتوافق على : /

( تشكيل قيادة وطنية موحدة )

تقوم بإعداد( مبادرة وطنية لحل الأزمة الليبية )تتضمن في بنودها الحل الامثل للأزمة ، وفي مقدمتها المسارعة في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي من خلالها يقول الشعب الليبي كلمته بإرادته الحرة ، إذ مناط تقرير مصير الشعوب يعود لها وحدها ، دون وصاية أجنبية أو هيمنة إرهابية وتناولها أي بنود المبادرة على اوسع نطاق عبر وسائل الإعلام ، بما يخجل الكيانات المحلية ، ويحرج بعثة الامم المتحدة والدول الغربية المتحكمة في المشهد الليبي.

وذلك بإفهامهم أن النخب الوطنية لاتنطلي عليها المآرب، ولاترتضي الأساليب الهزلية التي تديرها بعثة الأمم المتحدة بشأن الأزمة ومقتراحاتها التلفيقية التي لاصدق فيها ولاوصول من خلالها للحلول الحقيقية الناهية للأزمة وأنها أي قيادة المبادرة الوطنية، لتقدم الحل الأمثل لخروج الليبيين من مأساة الواقع المعاش وأزمتهم المتازمة التي لم تزدها الحلول التلفيقية السابق طرحها من الأمم المتحدة إلا تأزما ،

وباستكمال بنود المبادرة يتم تقديمها أولا: للكيانات المحلية المتمثلة في مجلس النواب والمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة والحكومة وما في حكمها من الكيانات ذات العلاقة، ليثبتوا عما إذا كانوا هم فعلا صناع القرار في ليبيا بأن يسارعوا في الاستجابة لما تتضمنه المبادرة في كافة بنودها التي يأتي في أولوياتها الإعلان عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب وقت.

وفي حالة عدم الاستجابة لذلك يظل أعضاء تلك الكيانات المحلية قد برهنوا على أنهم ليسوا هم من صناع القرار في ليبيا، مما يوجب على قيادة المبادرة الوطنية الليبية ، لأن تتقدم بتلك المبادرة للكيانات الدولية المتحكمة في المشهد الليبي من هيئات ودول ومنظمات بمطالبتها بالحق المكتسب للشعب الليبي في تقرير مصيره وفقا للنظم والمواثيق الدولية.

وفي حالة مماطلتها وتعنتها بعدم الانصياع لإرادة الشعب الليبي، يظل لامفر لقيادة المبادرة الوطنية الليبية من دعوة جماهير الشعب للخروج في مظاهرات شعبية سلمية عارمة بكل مناطق الوطن تعلن العصيان المدني، ومطالبتها بحق تقرير مصيرها الذي كفلته لها النظم والمواثيق والأعراف والقوانين الدولية.

وفق الله الجميع ، لما فيه خير العباد والبلاد، وحفظ الله ليبيا من لعبة الأمم

زر الذهاب إلى الأعلى