سوريا أمام مخاطر التقسيم والتفتيت
بقلم/ محمد علوش
في ظل تداعيات الأوضاع في سوريا وما تشهده بعض المناطق من تصعيد واقتتال وأعمال ترهيب للمواطنين السوريين، ننظر بإيجابية عالية إلى الاتفاق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، ونرى فيه عملًا مهمًّا لقطع الطريق على نوايا ومخططات التقسيم التي تعمل على تفتيت الشعب السوري وتذويب هويته الوطنية والحضارية، وبشكل خاص تلك المرتبطة بالأجندات والمشاريع الإسرائيلية، وهذا العمل ينبغي أن يتم تعزيزه والبناء عليه واستكماله عبر منع تكرار أي أحداث ذات طابع طائفي، من نمط الأحداث المأساوية التي جرت وما زالت تجري في مناطق الساحل والجنوب السوري.
إَنّ تعزيز السلم الأهلي، واستكمال توحيد سوريا شعبًا وأرضًا، وإعادة إقلاع اقتصادها، وقطع الطريق أمام كافة المحاولات الرامية الى تكريس الهيمنة وإشاعة الفوضى ارتباطًا بأية أجندات داخلية أو خارجية، يتطلب المضي سريعًا نحو عقد مؤتمر جدي وشامل للحوار الوطني تشارك فيه كافة الأحزاب والقوى السورية الفاعلة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
نعتقد أن ذلك الاتفاق هو بمثابة الطريق الوحيد والصحيح للخروج بسوريا من الكارثة ونهوضها من جديد، هو طريق الحوار الوطني بين السوريين، وليس طريق القتال والاقتتال والدمار الذي لم يجلب على سوريا والسوريين إلا الكوارث والخراب، فما يجري اليوم من أحداث مؤسفة يتطلب الدعوة إلى وقف كل هذه المجازر المروعة والمتواصلة التي يتعرض لها السوريون العزل، والحفاظ على وحدة الشعب والأرض السورية بمواجهة كافة النزعات ومشاريع التقسيم الطائفية ومعالجة تداعيات تنامي الفكر الظلامي، والتحريض والتعبئة القائمة على خلفية طائفية وانتقامية والتي لا تخدم سوى أجنداتها الطائفية والتي تهدف إلى تفتيت وتقاسم سوريا، تنفيذًا لمخططات وسياسات الإدارة الأمريكية الإمبريالية ووكلائها في المنطقة وخاصة إسرائيل.
يجب أن يكون هناك تحركات جدية لضمان أمن وسلامة كافة السوريين ووحدة الأراضي السورية، وضرورة عدم الخلط بين الاحتكام إلى القانون واستغلال ذلك لاستهداف الأبرياء، والتعبير عن رفض وإدانة أي نهج يقوم على أساس القمع والتهميش والبطش والمعالجة الأمنية، الذي يمارس ضد الشعب السوري بمختلف مكوناته، وهذه الجرائم والمجازر المروعة، التي تأتي ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وهي تؤكد مجددًا الخطر الذي يمثله الفكر الظلامي على الشعب السوري وشعوب المنطقة ودورها في تفتيت وتقسيم المنطقة، تلبية لمصالح الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية، واستمرار هذا الاتجاه الرجعي في فرض سياساته القمعية بعيدًا عن أي اعتبارات إنسانية أو قانونية.
إن الأوضاع الخطيرة تستدعي وبشكل عاجل تلاحم جميع القوى الوطنية وتعزيز نضالها السلمي المشترك من أجل تحقيق الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية الكاملة وتثبيت وحدة التراب الوطني لطرد المحتلين من الأراضي السورية، وهذه هي المهمة الرئيسية التي تقف أمام قوى وفعاليات الشعب السوري، فلا يمكن تحقيق الحرية والعيش الكريم للشعب إلا بإنهاء الاحتلال والهيمنة الاستعمارية ومناهضة كافة الأطماع والتدخلات الخارجية.
نحذر مما يجري باعتباره بداية لتقسيم الأراضي السورية وتفكيك الدولة السورية، وهو هدف استعماري، ما زال قائمًا، ويعمل على خلط الأوراق وتعقيدها، ولا بد من تغليب الموقف بأن مستقبل سوريا لا يحدده إلا الشعب السوري نفسه، والثقة بالشعب السوري على مواجهة كافة التحديات وتخطي الصعاب والوقائع التي خلقتها الأزمة وتفاعلاتها على كافة المستويات، وتحديد هوية سوريا الجديدة والحفاظ على تاريخها وموقفها المتقدم في خارطة الفعل السياسي الإقليمي أمر في غاية الأهمية، ينبغي تعزيزه والبناء عليه لترسيخ المكانة التي تستحقها، وضرورة اجتياز مثل هذه المرحلة الانتقالية التي ستعيشها سوريا، فإن كان “النظام” قد سقط فإن سوريا لم ولن تسقط، ويجب أن تمضي نحو ترسيخ مكانتها وبما يلبي أحلام وتطلعات كافة السوريين التواقين إلى الحرية والديمقراطية، ولا يمكن تحقيق الحل السياسي للأزمة التي مرت وتمر بها سوريا عبر انتظار الحلول من الخارج، بل بالعمل الجاد في هذه اللحظة التاريخية من أجل توحيد الصفوف وتوحيد الجهود الوطنية، بالبحث عن سبل وخيارات ومعالجات وطنية وعقلانية تضع مصلحة الشعب السوري بكافة فئاته وشرائحه ومكوناته فوق كل اعتبار، وتعزيز الإرادة الشعبية، برفض الخضوع والخنوع للإملاءات الخارجية التي تمليها القوى الاستعمارية بكافة اتجاهاتها في اطار مساعيها للنيل من وحدة سوريا والعبث بسيادتها الوطنية وتمزيق الوطن السوري، وتكريس الانتماءات المذهبية والطائفية والإثنية التي يراد منها تذويب الهوية الوطنية السورية.