الجامعة العربية وقرارات حفظ ماء الوجه
بقلم/ فرج بوخروبة
بعد تأجيل انعقاد القمة العربية الطارئة من 27 فبراير إلى 4 مارس 2025 بالقاهرة، التأم شمل القادة العرب تحت قبة الجامعة العربية في أجواء وصفت بالأخوية العميقة! والتي صدر عنها عدة قرارات نالت رضا المجتمعين، ورفض صريح لدولة الاحتلال الإسرائيلي وسيدة العالم الحر ماما أمريكا، القوة التي لا تقهر على الأرض، في انحياز منها لابنتها المدللة دون أن تشعر بأي حرج من تصرفاتها التي أصبحت مفضوحة، بل مكشوفة، مستخدمة سلاح التهديد والوعيد بالتهجير القسري لفريق صغير كحماس وأخواتها في مواجهة وحشية بكل المقاييس، وما تعنية الكلمة من معان غير أخلاقية وغير منطقية، وذلك لردع هذه الفصائل التي لا ذنب لها إلا الدفاع عن وطنها، ومطالبة كل العالم بالوقوف معها لاسترداد حقوقها المشروعة وحماية الجموع الغزاوية المتشبثة بمشروعية بقائها على أرضهم المقدسة للعيش الكريم والسلام والاستقرار، لتأتي في الوقت الضائع ما عرف اصطلاحًا بالجامعة العربية، التي من المفترض أن يتغير اسمها إلى الجامعة العبرية! أو الجامعة الإبراهيمية! تناغمًا مع توجهات دول الخليج، مغازلة لبني صهيون، وطمأنتهم بأننا نحن المسلمين وأنتم من ظهر نبي واحد وأبناء عمومة، وعلى أساس النخوة والكرامة ورد المظالم وشعارات الحرية والعدالة والعيش الكريم!
اتخذت الجامعة قراراتها غير القادرة على تحقيقها وتنفيذها على أرض الواقع، بعد أن أصبحت إسرائيل وأمريكا غير مستعدة لمطالب الجامعة المتواضعة، بل ورفضها شكلًا وموضوعًا! وبدل أن تقف الجامعة غير الموصوفة بالحق المبين مع قضيتهم المصيرية، وفرضها كأمر واقع، بدل أن تقف موقف المتخاذل، خوفًا من غضب ذاك الوحش الكاسر القابع في بيته الأبيض، أن يجرهم واحدًا تلو الآخر للتوبيخ والسخرية والاستهزاء، أمام عدسات الكاميرات الرقمية، للتشهير بهم ووضعهم موضع الشك والحيرة لدى شعوبهم.
جامعة بلا أنياب! لا تستطيع أن تتخذ قرارًا مصيريًّا ولو مرة في تاريخها، وتقف في وجه الصهاينة بالقول والفعل، لأن الكلام مع الصهاينة لابد لك أن تملك القدرة الكاملة، والعزيمة والإرادة لتحقيق النجاح المطلوب في التعبير عن المشروع العربي المتكامل، ولا يتأتى ذلك إلا بعد أن تملك الخبرة اللازمة والكافية لردع العدو، ثم نتكلم سياسة ونناور ونلتف حول الهدف بأوراق قادرة على اجتياز مرحلة الخوف والقلق وكسر حاجز التوتر والتفكير السلبي.
إسرائيل في أضعف حالاتها الآن، وهذا لا يعني بالضرورة الدخول في حرب معها، ولكن يجب على الحكومات العربية توقف العلاقات السياسية، والاقتصادية حتى يذعن لها كل غاشم متغطرس! العرب غير مستعدين للحرب الضروس، لكن عليهم أن يعملوا أضعف الإيمان لتحقيق الهدف المطلوب، بغض النظر عن الموقف الرسمي للجامعة العربية أو الحكومات، فإن الشيء الواجب هو رفع مستوى الوعي لدى الشعوب لكي تبقى في حالة يقظة دائمة، وللشعوب دورٌ كبيرٌ في دعم القضية الفلسطينية، حيث يمكن للضغط الشعبي أن يؤثر في السياسات الحكومية، ويجبر القادة على اتخاذ مواقف أكثر حزمًا وإصرارًا مع أنني لست متفائلًا من مخرجات الجامعة العربية أو الحكومات، ولا أرى فائدة تذكر، إلا أنني أرى أن صمام الأمان الحقيقي يكمن في الشعوب، فبقاء القضية الفلسطينية محفورة في وجدان كل عربي ومسلم غيور على أرضه وعرضه وإخوانه، والذود عن مقدساته ومسرى نبيه صلى الله عليه وسلم، هو الضمانة الأكبر لاستمرارها.
هذه اليقظة الشعبية هي التي تحفظ القضية من الضياع، وتجعلها حية في قلوب الأجيال، حتى يأتي اليوم الذي تُسترد فيه الحقوق وتُحرر فيه الأرض، والشيء الوحيد الذي من المفترض الوقوف عنده، هو أن النصر والتمكين والتحرر يكون في جيلنا الحالي كي نشهد اليوم العظيم ونعيشه.
ستكون الجامعة العربية هي آخر جامعة في نسختها القديمة، إما أن تخذل الشعب الفلسطيني وتستجيب لضغوطات ترامب وابتزازات الكيان فينتهي وجودها أبديا في ضمائر الشعوب العربية أو أنها ستتخذ قرارات شجاعة وتاريخية لصالح القضية الفلسطينية ولصالح السيادة العربية وضد الإرادة الأمريكية والصهيونية ونكون عندئذ أمام نسخة جديدة للجامعة، وندخل عندئذ مرحلة جديدة للواقع العربي، قد يبدو هذا الاحتمال الثاني مستحيلا ولكن لننتظر ولتكن مواقفنا وأعمالنا بعد ذلك في مستوى الحدث في دعم القضية الفلسطينية مهما كان الموقف الرسمي العربي.