مقالات الرأي

أوهام الزمن الترامبي! 

بقلم/ مصطفى الزائدي

يتراكم الإحباط عند شريحة تتوسع من الليبيين بشأن الخروج من الأزمة الليبية، وأحد أسبابه غير المباشرة ذلك الشعور المتنامي عند البعض بأن حلًّا ما للأزمة الليبية موجود في جعبة ما، وكلما وصلت فكرة ما إلى أفق مسدود تتولد فكرة أخرى لتنتشر بسرعة البرق، الأمر الذي خلق حالة انتظار مستدامة لوهم يتوقع البعض قرب تحققه، ويخططون لمستقبلهم وفقه، بالرغم من مرور عقود من الزمان على تكرار نفس السيناريو تأكد خلالها أن لا شيء واضح لحل الأزمة في الزمن المنظور، هذه الحالة هي أحد أعراض الأزمات النفسية المجتمعية التي تصيب شعوبًا معينة ولا تستطيع أن تخرج منها لعدم وجود إمكانيات لتشخيصها وعلاجها.

في ليبيا مشاريع الأوهام متواصلة منذ عام 2014 بعد أن رفض ما يسمى المجتمع الدولي الاعتراف بنتائج الانتخابات التي نظمها وفق قانون فرضه لعزل أنصار النظام السابق ومنع أكثرية الشعب من المشاركة فيها.

 في هذه الأيام تكثر الإشاعات وتزدهر تجارة بيع الوهم ويتوالى نشر قوائم رؤساء الحكومة والوزراء المحتملين وتنتشر الشائعات حولهم انتشار النار في الهشيم، وكل بقوائمهم فرحون! المترشحون للرئاسة يختصرون سيرهم الذاتية في كونهم مدعومين من هذه الدولة أو تلك، وأنهم منحوهم الضوء الأخضر لخوض سباق الوصول إلى رئاسة الحكومة المزعومة.

للتذكير خلال كل هذا المخاض من تجارة الوهم الذي استمر عشر سنوات خرجت حكومتان كلتهما أسوأ من الأخرى، وكلتهما نتجت عن عمليات نصب واحتيال ورشاوى موثقة، وكلتهما لم تتحصل على أي قدر من الدعم الشعبي، وبطبيعة الحال كلتهما لم تحقق أي شيء سوى مزيد التدمير لمقدرات البلاد وتنمية الفساد بكافة أنواعه وأشكاله، وكلتهما أسهمت في تحويل البلاد إلى دولة فاشلة وجعلت منها موقعًا نموذجيًّا للجريمة المنظمة، ومعبرًا للمهاجرين وتجارة المخدرات، وفتح عيون أوروبا لتروج لها كوطن بديل للمهاجرين إليها.

سيقول قائل هذا كلام مكرر سبق أن تناولناه في عدة مقالات، وهذا كلام صحيح، لكن ما دعاني إلى إعادة تناوله هو حالة الوهم وما يصاحبها من تفاؤل زائد عن الحجم الطبيعي والآمال العريضة التي يعلقها البعض على اللجنة الاستشارية التي شكلتها بعثة هيئة الأمم، رغم أن البعثة عند الإعلان عنها قالت بكل وضوح إنها مجرد لجنة استشارية لتحريك المياه الراكدة، ولم توكل إليها مهمة واضحة، وبمجرد تشكيلها تنفيذًا التزامًا سبق أن قطعته لمجلس الأمن، فطلبت منها مراجعة القوانين الانتخابية، وهذا أمر كان يمكن أن يتيسر بطرق أخرى أبسط دون الحاجة إلى تشكيل هذه اللجنة، وبالتأكيد ستقوم البعثة بتطويرها في وقت ما لتصبح لجنة حوار جديدة إذا ظهرت حاجة فعلية لتشكيل حكومة ثالثة لن تختلف عن سابقتيها.

في تقديري وبوضوح تام الأزمة الليبية ليست موضع نقاش جدي على المستوى الوطني والدولي لحلها ولا حتى نقاشها في الوقت الحالي، فأغلب الأطراف الليبية مرتبطة أو هي أدوات تابعة لأطراف أجنبية متناقضة المواقف والمصالح، ولا تملك من أمرها شيئًا لذلك التعويل عليها للبحث في حلول حقيقية يعكس سطحية وسذاجة في تقييم المواقف وتحليل الواقع، أما الأطراف الدولية فهناك حالة فراغ سياسي كبير على المستوى الدولي نتيجة نجاح ترامب في الوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة، الذي قسم أمريكا إلى قوتين تتصارعان في العلن، قوة تمثلها سياسة ترامب الشخصية، والثانية يعكسها منهج الدولة الأمريكية العميقة وسياستها ومصالحها، وظهر تناقض عميق بين الاتجاهين، حيث دخلت أمريكا في صراعات حادة مع أقرب حلفائها كندا وأوروبا الغربية وأوكرانيا وغيرها.

لترامب أولويات مختلفة عن السياسة الأمريكية التقليدية فهو مهتم أولًا بالصراع التجاري مع الصين، فبالنسبة إليه هي الخطر الحقيقي على هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي، لذلك اتجه إلى معالجة الأزمات الكبرى التي ترهق أمريكا وتكلفها لكي يتفرغ للحرب التجارية الآتية لا محالة مع الصين، ولذلك كان من أولوياته حل الصراع في أوكرانيا، وربما لإرضاء اللوبي الصهيوني سيقوم بأعمال غير مفهومة ولا مبررة في فلسطين وفي إيران، ومن ثم يحسم الصراع مع حلفائه الأوروبيين والناتو ومسائل ضم كندا وجرينلاند وغيرها.

الأوروبيون بدون موقف أمريكي واضح لن يستطيعوا أن يقدموا أي شيء بالنسبة للأزمة الليبية، ومن هنا فلا أتصور أن موقفا دوليا سيتبلور في القريب العاجل تجاه الأزمة الليبية، وبخاصة أن ليبيا بالنسبة إلى ترامب رجل الصفقات لا تشكل أهمية كبرى، فداخلها محدود وإمكاناتها الطبيعية محدودة.

الحل الممكن والقابل للنجاح يأتي عندما تتخلص الأطراف الليبية المهيمنة من السطوة الأجنبية وتجلس لتنجز موقفًا يؤسس لحلول ذاتية للأزمة الليبية، هذا يتطلب أن يضع أولئك الوهم جانبًا وينظروا في الواقع ويتصرفوا مع الحقيقة، عندئذ ربما يهتدون إلى حلول واقعية، الغموض في الموقف الدولي والترتيب الجديد لأولويات الصراع بين الدول النافذة قد يتيح فرصة مناسبة للشعب الليبي أن يفتك بلاده من أيادي التدخل الأجنبي، السؤال: هل ذلك أمر قابل للتحقيق في ظل ما نشهده من فساد وارتباط بالأجانب وما نعلمه من طبيعة الشخوص المتصدرة للمشهد؟ الإجابة ستكون بنفي قاطع!!

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى