قِمَمُنا وقِمَمُهم!!
بقلم/ مصطفى الزائدي
منذ عام 1963 وبدعوات وتحريض من الزعيم الخالد جمال عبد الناصر دأب الحكام العرب على عقد مؤتمرات على مستوى القمة تضم الملوك الرؤساء والأمراء لتوحيد الموقف الرسمي، وبناء تكامل قومي كخطوة مرحلية لبناء الدولة العربية الواحدة، ورغم الزخم الذي أخذته القمم العربية في العقد الأول من انطلاقتها، فإن أغلب قراراتها كانت مجرد حبر على ورق.
من أهم القمم العربية قمة الخرطوم 1967 التي جاءت عقب النكسة والتي حددت مسار العمل السياسي للدول العربية في تلك المرحلة العصيبة، وعرفت بقمة اللاءات الثلاث، وملخصها أن الهزيمة العسكرية لا تعني تقديم تنازلات سياسية للعدو، وكان الموقف العربي الواحد لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بالكيان الصهيوني في الأراضي المغتصبة الذي ينبغي أن يرحل عن فلسطين، وأكدت القمة على حق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم التي احتلت منذ عام 1948.
كان موقف القمة أيضًا واضحًا في دعم المجهود الحربي ومعركة 1973 ماديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا. بعد تخلي العرب عن مواجهة الكيان المغتصب، والقبول بمشروع كيسينجر السلام خيار استراتيجي تقلصت أدوار القمم العربية، وتحولت إلى ما يشبه المناسبات الفولكلورية السنوية التي يلتقي فيها الحكام العرب لمجرد التصوير وينتج عنها بيانات إنشائية هي نسخ مكررة من التي صدرت قبلها.
الموقف الأكثر وضوحًا هو ردة فعل الحكومات العربية على عدوان 8 أكتوبر على غزة، حيث انعقدت قمة الرياض بعد أكثر من شهر كامل على جريمة الاحتلال في غزة، مكتفية ببيان استنكار وتنديد وتشكيل لجنة استجداء جابت دول العالم للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية الممنهجة في غزة، لكن العدو وداعميه الرئيسيين واجهوهم باستهزاء، ولم يستمعوا لبكائياتهم ولم ينتج أي شيء عن جولاتهم، مكتفين على ما يبدو بالقول إنهم فعلوا ما في وسعهم.
بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار الهش الذي لم يلتزم به العدو تمامًا حيز التنفيذ وطرح ترامب لمشروعه الخطير، بتهجير الفلسطينيين جملة من فلسطين إلى مصر والأردن وغيرهما من الدول التي تقبل بهم، انعقدت قمة أخرى في القاهرة بعد شهر كامل، وأصدرت بيانًا رفضت فيه -على استحياء- خطة ترامب، وأقرت الخطة المصرية لإعادة الإعمار دون تهجير الفلسطينيين، وطالبت بحل الدولتين على حدود 1967 متجاهلة حقوق الفلسطينيين قبل 48 وحقهم في العودة إلى فلسطين.
حال القمم العربية هو حال قمم الدول الإسلامية التي انطلقت مع سبعينيات القرن الماضي بأشكال دورية، ونتج عنها تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي التي تحولت إلى منظمة التعاون الإسلامي، فيما يتعلق بالقضية المركزية للأمة العربية وللمسلمين فلسطين لم تكن قراراتها وبياناتها سوى نسخ مترجمة من قرارات وبيانات القمم العربية.
ما حدث في فلسطين وبخاصة غزة والضفة عامي 2023/2024 وإلى الآن أسوأ بكثير مما حدث في عام 1948، لكن ردة الفعل الرسمي العربي من خلال قمتي الرياض والقاهرة لم تكن في مستوى قرارات الحكومات العربية عام 48 التي رغم النفود الإنجليزي والفرنسي القوي قررت الحرب رغم ضعف إمكاناتها وخاضت معارك لم تنتصر فيها، لكنها قاومت رسميًّا إقامة الدولة الكيان من طرف واحد.
في قمتي الرياض والقاهرة لم تصدر قرارات عملية تدعم الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لإبادة جماعية وحشية وفي حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته وعودة المهاجرين الفلسطينيين إلى ديارهم، ولم يتم مجرد التلويح بتجميد العلاقات الثنائية التي بدأت تتطور مع الكيان الصهيوني، ناهيك عن الالتزام بمؤازرة الشعب الفلسطيني والقتال معه.
في المقابل القمم التي تعقدها الدول الغربية عند أي حدث يتعلق بمصالح ومستقبل الدول الغربية المختلفة فهي قمم تلتئم سريعًا وتتخذ فيها قرارات واضحة وحاسمة، أدت إلى توحيد أوروبا سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا رغم التناقض التاريخي بين شعوبها.
عندما أعلنت روسيا العملية العسكرية الخاصة في الدونباسك في أوكرانيا هرع الأوروبيون والأمريكيون إلى الاجتماع العاجل، وقرروا مواجهة التقدم العسكري الروسي بالسلاح والمال، وفرضوا عقوبات اقتصادية واسعة غير مسبوقة على الاتحاد الروسي، محصلتها وقف التعامل مع روسيا وتجميد أموالها وأصولها في أوروبا، ثم تطورت قراراته إلى العمل العسكري المباشر وزودوا أوكرانيا بمختلف أنواع الأسلحة، وسخَّروا كل وسائلهم الاستخباراتية والتجسسية لمصلحة أوكرانيا، ودفعوا أموالا بمئات المليارات إلى الدولة الأوكرانية لمساعدتها في التصدي للقوات الروسية، وعندما وصل الرئيس ترامب إلى السلطة في أمريكا واتضح موقفه المناوئ لسياسة الحكومة الأوكرانية ودعمه بشكل أو آخر للرئيس بوتين، وبعد لقائه المثير والعاصف مع زيلينسكي هرع الأوروبيون وحدهم إلى عقد قمتين خلال أسبوع حضرهما الرئيس الأوكراني توافقوا فيهما على استمرار دعم أوكرانيا بقوة وتعويض الانسحاب الأمريكي من معركة أوكرانيا بإجراءات عملية، لكنهم لم يقفلوا الباب أمام الحوار بين أمريكا وأوكرانيا وقرروا البحث في مقترحات أوروبية لفك الاشتباك بين زيلينسكي وترامب بما يخدم المصالح الأوروبية.
الأوروبيون يلقون بخلافهم جانبًا ويتخذون القرارات المناسبة ويضعونها محل التنفيذ الفوري.
الفرق جوهري بين عدالة القضية الفلسطينية والصراع في أوكرانيا التي تدافع فيه روسيا على أمنها وعلى الروس سكان الدونباسك.
أين قممنا من قممهم؟
هل يمكن أن نبني آمالًا على اجتماعات قمة هكذا كانت نتائجها؟