مقالات الرأي

المائدة الرمضانية والجندي المجهول

بقلم/ عبدالمجيد قاسم

تشتهر المائدة الرمضانية في بلداننا العربية بالتنوع المميز، وهو تنوع من نوع خاص يتسم به شهر رمضان دون غيره، فكل بيت عربي أثناء الفطور تكون على مائدته أصناف من الطعام تناسب وجود ضيف من نوع ثقيل؛ مسؤول، أو غائب طال غيابه، أو خاطب تنصب له الشراك حتى يقع على وجهه! 

والجميع يشيد بالموائد الرمضانية، ويشيد بكرم هذا الشهر، وبكرم مستقبليه الذين لا يكون لهم همٌّ منذ اقترابه سوى بالإعداد له، وكأنهم مقدمون على مجاعة! لكن قلَّ من يشيد بمن وراء هذه الموائد الرمضانية، أي بالأيادي التي أعدت الطعام، وأقصد كما هو مفهوم الجندي المجهول ربات البيوت؛ الأمهات، والزوجات، والأخوات اللاتي يدخلن المطبخ منذ الظهر وحتى قرب المغرب، ويظللن في عمل دؤوب أمام مواقد الطهي مهما كان الطقس، بينما الرجال إما أمام شاشات التلفاز، وإما في توحد واندماج وانصهار مع شاشات الهواتف، وإما تحت البطاطين يغطون في نوم عميق. 
وربات البيوت –حفظهن الله- نوعان: نوع عامل لديه وظيفة كالرجل، أي دوام، ومهام، وهموم. ونوع آخر ربة بيت صرف، متفرغة لبيتها وأبنائها، والصنفان في رمضان سواء، فالمرأة العربية العاملة تقسم يومها بين عملها والمطبخ، ولا أظن أنها تحظى بقسط من الراحة سوى بعد أن يفطر الجميع، ويذهب من يذهب إلى صلاة التراويح، أو إلى أصدقائه، أو يكمن في زاوية من زوايا المنزل مع هاتفه المحمول، وكذلك المرأة التي تفرغت لبيتها، فهي ربما أكثر حظًّا من المرأة العاملة، لأنها قد تفوز بقسط من الراحة خلال فترة الصباح وحتى الظهيرة، لكنها ما إن تنهض من سباتها حتى تبدأ في عمل دؤوب، بين ترتيب الأسرَّة، وكنس المنزل، ووضع الملابس في الغسالة، ثم تدخل المبطخ لتقوم بعملها اليومي في تجهيز طعام الإفطار.

وعمل المرأة العربية لا يقف عند تجهيز طعام الإفطار، فهي كالجندي في المعركة، أو كالحارس على الثغور، لا تنام حتى لو نام الجميع، فهي إثر الإفطار، تقوم بغسل أواني المطبخ، وحفظ ما تبقى من الطعام لتقديمه عند السحور، أو ليكون رهن الطلب أثناء الليل، مع استعدادها لتلبية طلبات الشاي والقهوة والمرطبات والمثلجات والحلويات، أي (خدمات غرف) خمس نجوم، وهي لا تأوي إلى فراشها إلا بعد أن تكون قد اطمأنت أن الجميع قد تناول طعام السحور، وأوى إلى فراشه.
ومع ذلك كله، إذا جاء الطعام مالحًا قليلًا، أو كان بالأرز خصاصة، أو كانت الشربة حارة زيادة عن المعدل، أو نقص عدد الأصناف، فإن علامات التبرم والضيق تظهر، وربما عبارات النقد أو حتى الاستهجان توجه، وكأن بين ربية البيت المسكينة والعصابة التي تقوم بخدمتها عقد تموين وتوريد، وأي خلل يستوجب العتاب واللوم. 

ختامًا أقول: إننا معشر الرجال، أو بالأصح معشر الذكور، ينبغي أن يكون لدينا قدر من الرفق والرحمة بأمهاتنا، وزوجاتنا، وبناتنا، وأخواتنا، فما يفعلنه تفضلٌ منهن وليس واجبًا، خاصة أننا في زمن نقصت فيه قوامة الرجل على المرأة، فالمرأة تعمل كما يعمل الرجل، وبعض النساء مرتبها أفضل من مرتب الرجل، ولولا مرتبها لعاش الرجل وأبناؤه على الكفاف، ويكفي أنها تبذل مجهودًا يعادل ما يبذله الرجل، وربما أكثر خارج المنزل، أي في عملها، ثم تأتي لتقوم بما نسميه (واجبات منزلية) دون تبرم أو ضيق داخل المنزل، لذا فإن لم يكن بوسعنا مساعدتها، فعلى الأقل لا نحرمها من كلمة طيبة نشكر لها بها مجهوداتها، ونغض الطرف عن هفواتها. ورمضان مبارك على الجميع. 

زر الذهاب إلى الأعلى