مقالات الرأي

نختلف فيها ولا نختلف عليها

بقلم/ محمد علوش

تشكل منظمة التحرير الفلسطينية -ومنذ تأسيسها عام 1964- مرجعيةً سياسيةً ووطنيةً عليا للشعب الفلسطيني، تقود نضاله الوطني وتطلعاته لتحقيق أهدافه في الحرية والاستقلال والعودة، وتجسد قاعدة للإجماع الفلسطيني وفق رؤية وطنية واضحة ومحددة وبرنامج سياسي يعبر عن القواسم المشتركة لكافة القوى والمنظمات المنضوية في إطارها، حيث تحولت المنظمة إلى وطن معنوي ونضالي للشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، ورغم كل ما تعرضت له وما واجهته، بقيت وفية لشعبها ولبرنامجها وللثوابت الوطنية وإرث الشهداء، ورغم كل الاختلافات والتباينات في الرؤى والمواقف وافتعال الأزمات أحيانًا، لم يخرج أحد لينكر دور ومكانة المنظمة، أو ليطعن في شرعيتها وفي وحدانية تمثيلها لجموع شعبنا، وكان شعار الجميع دائمًا “نختلف فيها ولا نختلف عليها” وذلك في أشد المراحل والمنعطفات، وفي ذروة الانقسامات والانشقاقات التي شهدتها الساحة الفلسطينية في مراحل النضال المختلفة.

وجاء “لقاء الدوحة” بما حمله من أجندات ومن شعارات لإيجاد مرجعية جديدة وبديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يتهمونها بفقدان الشرعية، حيث أرادت قطر ومن حضر إلى قطر العبث بوحدانية ودور ومكانة منظمة التحرير، فكانت الكلمة كلمة “حق” يراد به باطل، وبالتي لا يراد من هذه التجمعات المملولة وفي فنادق الدوحة، سوى افتعال المزيد من الأزمات في الساحة الفلسطينية، في توقيت دقيق وخطير وفي ظل الحرب التدميرية والتصفويّة الشاملة التي يتعرض لها شعبنا وقضيتنا، حيث أرادت هذه الأجندات المضي في تكريس وإدامة حالة الانقسام وتدمير المشروع الوطني الفلسطيني الذي تجمع عليه مختلف الأطياف الفلسطينية، واستمرار العبث من أجل تفتيت وحدة الشعب ومكانة القضية التي تتعرض لمحاولات الشطب والمحو والإلغاء من قبل الإدارة الأمريكية وحكومة الفاشية والتطرف العنصري الإسرائيلية.

نحن نعي تمامًا واقع وظروف منظمة التحرير، فهي متعبة ومنهكة وتحتاج إلى إصلاح من داخلها وإلى إعادة تفعيل وتطوير لدورها السياسي والوطني، وهذا مطلب أبنائها قبل أن يكون مطلبَ مَن هم خارجها أو تلك الفئات الطاعنة في شرعيتها التي تدعي حرصها عليها، وهذا يتطلب من كافة الفصائل الوطنية وأمنائها العامين، ومن أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيسها ومن المجلس المركزي، للبدء بشكل جدي وحقيقي وفوري لتطوير وتفعيل دوائر ومؤسسات المنظمة واتحاداتها الشعبية، وأن تنتظم اجتماعاتها وفق التخصص، وتوفير كل آليات وظروف العمل في ظل هذه المرحلة المعقدة من الصراع، لتستمر المسيرة النضالية لشعبنا تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد.

إن منظمة التحرير الفلسطينية هي الإنجاز التاريخي الأهم الذي تحقق للشعب الفلسطيني، وهذا الإنجاز يستحق منا جميعًا ومن كل ألوان طيفنا السياسي أن نحافظ عليه، بتوحيد ومراكمة كل الجهود الوطنية من أجل الإبقاء عليه شامخًا وسليمًا من كل أذى، وقد تجلَّى هذا الحرص بأروع صوره في العديد من المرات وما زال بالتفاف جماهير الشعب حول قائدة نضالهم الوطني وحامية الثوابت الفلسطينية، وعلى من يدعو إلى إطار موازٍ أو تشكيل مرجعية بديلة أن يقرأ التاريخ جيدًا ليدرك أن كل المؤامرات وكل المحاولات قد فشلت في السابق، وقد تكسرت كل الأوهام المدعومة بالجغرافيا السياسية وبالأجندات الخارجية على صخرة صمود إرادتنا الوطنية التي تمثلها منظمة التحرير، كممثل شرعي ووحيد، وليس هذا مجرد شعار، وأن تتراجع تلك الفئات عن البحث عن دور مفقود أو الاستخدام لدى هذا النظام أو تلك العباءة، فكل هذه المحاولات البائسة لن تمر، ولن تتحقق بقدر ما ستضر وتلحق المزيد من الضرر بقضية شعبنا كرافعة للتحرر الوطني والخلاص من الاحتلال وتحقيق الأهداف الوطنية المقدسة.

إن محاولات خلق أطر بديلة أو موزاية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وستفشل تمامًا، وتلك الدعوات ليست إصلاحية على الإطلاق، فمن يُرِد المصلحة الوطنية ومن يعمل على إصلاح المنظمة فعليه أن يعمل من داخل أطر المنظمة، وليس بالتقاطع مع تلك الأجندات الخارجية التي تتساوق مع دعوات إدارة ترامب وحكومة نتنياهو إلى إيجاد ما يسمى بالسلطة الوطنية المتجددة، وهذا ما لم ولن يكون أبدًا.

أعتقد أن جل من ذهب إلى قطر كمن صام دهرًا ونطق كفرًا، فنحن أمام مرحلة دقيقة وكاشفة وتعري كل الحقائق الزائفة، فقد جاء “لقاء الدوحة” لفرض وصاية ما على شعبنا من نظام يريد أن يعطينا دروسًا في الإصلاح والوحدة الوطنية، ويريد الإمعان في تعميق الأزمات والانقسامات، كونه الراعي الحصري للانقسام منذ سبعة عشر عامًا، ومنظمة التحرير الفلسطينية ليست مادة للترف في نادي قطر التي لم ولن تكون يومًا عنوانًا لحركات التحرر، ولن تكون “قطر” أحرص منا على قضيتنا وعلى ثوابتنا الوطنية وعلى مشروعنا الوطني وعلى قرارنا الوطني المستقل الممهور بالدماء والتضحيات، ومنظمة التحرير الفلسطينية، كانت وستبقى الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، نختلف فيها ولا نختلف عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى