ما الإنسان؟ المداخلة الخامسة (الأطوار والتطورية)
بقلم/ مهدي امبيرش
حرصنا في المداخلات السابقة أن نؤكد على أن الأهمية في عملية التعبير، بغض النظر عن الألسن، التي قال الحق فيها إنها مختلفة، فمنهج التفكير أو الملة هي التي تحدد هذا الاختلاف، لأنه يرتبط بعملية إنتاج الأفكار في الذهن، والتي تخضع بداهة إلى كل معطيات الإنتاج التي يسبقها تفكير ومنهج تفكير، من ثم كنا باستمرار نؤكد على منهج التفكير البياني العربي، مع التذكير بأن الوصف بالعربي يتعلق بالوضوح والبيان مقابل العجمة، فإذا قلت إن فلانًا عربيُّ المنهج، فإننا نقصد بأن منهج تفكيره واضحٌ بينٌ، ومصطلح الإعراب في العربية، أو قولنا: أعرب فلانٌ عما في نفسه أنه أبان وأوضح.
ولأننا كما ذكرنا أن الاختلاف في منهج التفكير وأن عملية التعبير أو العبور لهذه الأفكار التي يتم إنتاجها في الذهن هي مرحلة تالية لمنهج التفكير والأفكار، ومن ثَم فإن وسائل التعبير بدءًا من التعبير المصوّت كلها تأتي ضمن هذا المنهج، حتى أننا يمكن أن نقول إن الدراسة اللسانية التي تنصرف إلى منهج التفكير هي الظاهرة الصواب في دراسة اللسان، لأن وسائط التعبير هي التي تظهر لتكشف لنا عن هذا المنهج، مع ملاحظةِ أن التعبير باللغة المصوتة أو بالإشارات والعلامات وغيرها تبتعد عن منهج التفكير نفسه، أي إنها ليست هو، فاللسان العربي ليس اللغة العربية، هنا تبرز لنا أهمية الكشف عن هذا المنهج في علاقته مع خصائص الأمم والتي تدعونا إلى ربط المنهج بالأمة، كذلك تدعونا إلى دراسة (اتيمولوجية) تهتم بجينيات الألفاظ، وندرسها ضمن منهج تفكير الأمم. ومن ثَم قلنا إن النزعة المادية في التفكير تنظر إلى اللغة على أنها مركب فيزيائي ذري، ومن ثَم ستقول باستقلالية الذرة ووحدة الجوهر، وهذا يترتب عليه القول بإمكانية الحكم على الكل من خلال الجزء، وهو ما بني عليه ما يسمى بالاستقرار في المدرسة اللبرالية اليوم، حتى أنها تقول إن الإنسان هو بمثابة ذرة مستقلة عن الإنسان الآخر لا يجمعهما إلا الشكل، وأن القابلية للتركيب ستعطي مبررًا للتفكيك أو التحليل، يقابلها من الطرف الثاني بنفس النزعة المادية النظر إلى المركب، بل القول من حيث الأحكام إن القضايا التحليلية تحصيل حاصل، وإن القضايا التركيبية هي التي تقدم جديدًا، وهو مبعث الخلاف بين المادية اللبرالية والمادية الشمولية الماركسية (الشيوعية).
هنا يبرز الفرق بين منهج التفكير العربي والأعجمي أي النظر إلى العلاقة على أنها علاقة فيزيائية تركيبية، أو أنها علاقة تأسس ليس على التشكل، بل التكون الخلوي، ومن ثَم فإن الإشارات التي نرسمها على الخط العربي في الإعراب إنما هي علامات على الحركة الحية في الإنتاج الذهني العربي. هنا يبرز الفرق بين مصطلح التطور والنزعة التطورية (evolution) التي قال بها (لامارك) ونظر إليها الإنجليزي (دارون) والتي ترى بهذه التطورية أو القفزات الكبرى في قصة الخلق وما يترتب عنها، أو التي يقول البعض إنهما ترتبطان بأصل الأنواع، إلى الحد الذي جعل الإنسان متطورا عن مخلوق أدنى (القرد)، وإن كانت لا تستمر في عملية الارتكاس لتقول لنا ماذا كان القرد قبل أن يصير قردا، وهذا يختلف تماما عن مصطلح التقدم في الأطوار كما جاء في قوله تعالى (ما لكم لا ترجونا لله وقارًا ولقد خلقكم أطوارًا) آية 14 سورة نوح، أي أن الطور الجديد يبقي عن الأول ويتقدم عليه ولا يلغيه فالإنسان خلق من تراب وما حصل فيه من تغيرات ثم تطور التراب إلى المخلوق الحي، أي إلى الإنسان البشر، الخاضع لقانون الحياة العام ككل المخلوقات الحية بدءًا من النبات من خلال عملية التنفس وهذا الطور يتقدم الانسان عليه من خلال الروح التي نفخها الله فيه وبذلك تم خلق الإنسان.