“فوط السنفاز “!!
بقلم/ مصطفى الزائدي
مع الاحترام لأعضاء اللجنة الاستشارية والتقدير لبعضهم، والنظر إلى ما سيقومون به من عمل بنية حسنة، من المهم التوضيح بأن اللجنة الاستشارية لم تكن إلا غطاءً لإعادة عرض مسلسلات الحوار السابقة التي كانت سمة العمل السياسي في ليبيا منذ 2011، فبالرغم من إجراء انتخابات عامة عام 2012 وما صاحبها من ضجيج إعلامي ضخم فإن تشكيل سلطة المؤتمر الوطني والحكومة المؤقتة نتجت عن حوار تولاه ولي عهد قطر وقتها مع البعثة وسفراء الدول الغربية النافدة، وأنتج تشكيل حكومة علي زيدان، وبعد نهاية ولاية المؤتمر الوطني وحلول استحقاق إجراء انتخابات جديدة ظهرت لجنة حوار ثانية سميت بلجنة فبراير برعاية سفراء الدول الغربية النافذة ومبعوث الأمين العام اللبناني طارق متري قبل إجراء انتخابات عام 2014 واشتراطهم ضرورة تقاسم السلطة بين الأطراف، بغض النظر عن النتائج التي ستفرزها الانتخابات، وأُدخِلت البلاد في حرب فجر ليبيا المدمرة التي قسمت الوطن الواحد إلى شقين، واضطر مجلس النواب بأغلبيته الساحقة إلى العمل في مدينة طبرق وفرض عليه الدخول في مفاوضات مع الأقلية القليلة جدا في حوار غدامس الذي تطور إلى حوار واسع قاده مبعوث الأمين العام ليون في كثير من مدن العالم توج بحوار “شاهد ما شافش حاجة” في الصخيرات، المصمم لتمكين ما يسمى المجتمع الدولي وحده من تكوين السلطة التنفيذية في ليبيا ووضع ضوابط لها، وأنتج الاتفاق السياسي، وتشكلت حكومة الوفاق التي تكونت من مجهولين، سرعان ما تحولت إلى حكومة انقسام وقادت إلى حرب 2019 الضروس.
بعد انتهاء العمليات القتالية كانت الدول النافذة محتاجة إلى سيناريو جديد لتشكيل سلطة واحدة تتجاوز نتائج الحرب وتحد من دور القوات المسلحة، فدعت إلى جلسات حوار جديدة استكمل في جنيف الثانية برعاية المبعوث غسان سلامة ومن بعده ستيفاني وليامز الذي أنتج بطريقة مريبة شابها الفساد والرشاوى ما سمي حكومة الوحدة الوطنية، التي سرعان ما انكشفت حقيقتها كحكومة أقلية عائلية كرست التقسيم ورعت فسادًا منقطع النظير. امتدت ولايتها من بضعة أشهر إلى خمس سنوات كاملة دون وجود بوادر لزحزحتها عن موقعها، رغم الرفض الشعبي الوطني وعدم التوافق الدولي بشأنها، لذلك لم تجد الدول المتنفذة من وسيلة لذر الرماد في العيون إلا العودة إلى مسلسل الحوار الوطني، وبما أن التسمية لن تكون مقبولة من الليبيين الذين سئموا مشاهدة أفلام الحوار، أعلن عن تشكيل لجنة استشارية بدون مهام وبدون موضوع، ورغم بداهة السؤال هي استشارية لمن؟ هل للبعثة أم للمؤسسات الليبية المسيطرة أم الليبيين؟ فلم توضح البعثة لمن ستقدم اللجنة استشارتها. ولم تحدد ماهية الموضوعات التي ستناقشها وتقدم آراءها حولها، وهل ستناقش موضوع الأزمة الليبية وعندئذ لن تكون لجنة استشارية، أم ستناقش بعض الأشياء التي يُظن أنها غامضة فتقدم استشارات لتوضيحها؟ هذه اللجنة مجرد أفكار غامضة ضمن سياسة البعثة على ما يبدو التي تتبع ما تسميه “الغموض البناء”!
الحقيقة المعلومة مسبقًا عند الكثيرين والتي تتضح شيئًا فشيئًا أن هذه اللجنة مجرد عنوان مستتر للجنة حوار جديدة ستتوسع في وقت قريب وليس بعيدًا، وتعيد تناول نفس جدول الأعمال الذي طرح في الحوارات السابقة، وستنتج نفس الصياغات الإنشائية، لكن الهدف تمكين المجتمع الدولي من تمرير السلطة التنفيذية التي يريدها.
يبدو أن مخطط المجتمع الدولي تشكيل سلطة ليبية جديدة كل خمس سنوات، ففي المغرب جرى الحوار 2015 وفي جنيف عام 2020 فكانت فترة حكم السراج ودبيبة خمس سنوات، فالدول الغربية المتنفذة ربما تعتمد خطة خمسية لإجراء حوار حول ليبيا بمشاركة بيادق من أدواتها لتدوير الأزمة.
في نظري ستكون مهمة هذه اللجنة الجديدة مجرد حديث نظري في تشكيل حكومة واحدة، وأفكار خيالية في توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية ومقاومة الفساد وما إليها من شعارات ستبقى دائمًا حبرًا على ورق، هذا ليس استنتاجات ولا تحليلات فقط، بل في شق منها معلومات بدأت تظهر وتنتشر هنا وهناك.
السؤال هل ستكون هذه اللجنة التي تضم بعض الشخصيات الرزينة “فوطة سنفاز” على رأي المرحوم أبو زيد دوردة؟
الرسالة موجهة إلى تلك الشخصيات الوطنية في اللجنة أن لا يقبلوا على أنفسهم أن يكونوا أدوات تستخدمها الدول المعادية لليبيا التي لا ترغب إطلاقا في إخراجها من أزمتها، وألا يكونوا وسيلة لتمرير أجندات المجتمع الدولي المشبوهة في ليبيا.
هذا سينكشف مع الوقت فالاستعمار لا يهتم بتغطية عملائه، وليس علينا الرجم بالغيب، وعلى أعضاء اللجنة أن يعلموا يقينا أن التاريخ لن يستر هفواتهم إن وجدت، وسيتعامل معهم كما عامل غيرهم في الماضي، فهو يسجل والشعب يلاحظ ويراقب ويحكم، وعليهم أن يدركوا أن ما سيفعلونه إن لم يكن لمصلحة الوطن فلن يكتب له النجاح ولن يكون نهائيا، فلم تنجح مؤامرة الصخيرات في فرض أمر واقع على ليبيا حيث رفضها الشعب الليبي من الناحية العملية وألقى بها في سلات المهملات، ولم تنجح مؤامرات جنيف، والحكومة الناتجة عنها ما زال الشعب الليبي يرفضها تمامًا، وهكذا سيكون مصير محاولة عبث جديدة فلن تنال مصيرًا مختلفًا عن سابقاتها.
الشعب الليبي يدرك طريق الخلاص فلا سبيل إلى استعادة الدولة إلا بافتكاكها بالقوة من براثن الأعداء، ففكرة استخدام القوة لم تعد منبوذة من الدول النافذة في ليبيا كما كان في الماضي، ترامب يعلن جهارًا شعاره حول فرض السلام والاستقرار بالقوة على المستوى الدولي، فما بالك بدول محتلة منهوبة، فمن حقها ومن حق شعبها أن يستخدم القوة لتحريرها وفرض استقرارها وحماية وجودها وبناء مستقبل أفضل لأبنائها.