الأمازيغ.. بين الصمت والتورط
بقلم/ عفاف الفرجاني
أثارتني مقاطع فيديو متداولة ظهر فيه بعض الأشخاص وهم يقومون بالاعتداء على شعار الأمازيغ في العاصمة بطرابلس، يقال إنهم يتبعون جهاز أمن في الدولة، ما خلق حالة من الرفض والإدانة من قبل المناطق التي يقطنها الأمازيغ، بالرجوع إلى الحالة الليبية قبل أحداث فبراير 2011، فقد حرصت القيادة الليبية أيام دولة الجماهيرية على التعامل مع المكوّن الأمازيغي الذي امتد لأكثر من أربعين سنة على أنه هوية ورمزية لهذا المكون دون أن يشكل خطرًا على الوحدة الوطنية الليبية.
سقوط النظام في ليبيا وتشظي السلطة المركزية دفع بالكثير من المجتمعات المحلية إلى الظهور لتجد مكانًا لها وسط الأجسام السياسية والأمنية للسيطرة على المواقع لتصبح قوة.
من هذه الأجسام أو الكيانات ما يعرفون بميليشيات الأمازيغ، الذين استفادوا من الفوضى السياسية التي تشهدها البلاد حالهم حال البقية، فقد استغلوا الوضع للاستفادة اقتصاديًا، من خلال خروجهم على سلطة الحكومة وتمردهم على الداخلية وسيطرتهم على المعابر الحدودية في ليبيا لتختزل مطالبهم في التحكم بالأماكن الاستراتيجية، وليس الهوية!
فالأمازيغ لم يحرموا يومًا من إظهار هويتهم بعيدًا عن السياسة، الذي يحدث اليوم من تناحر واشتباكات ما هو إلا فتنة لضرب النسيج الاجتماعي الليبي، المستفيد الوحيد منه الميليشيات الأمازيغية التي تشتغل على التهريب والعدو المستتر الذي يلعب على تقسيم البلد من خلال إشعال الفتن.
لقد فشل العدو قديما في عزل الأمازيغ عن العرب، حتى أن التاريخ يسجل كيف حارب العرب والأمازيغ عن ليبيا أمام العدو الإيطالي، رغم الانقسامات وضعف الدولة لم يظهر أي حراك سياسي للأمازيغي يدعون فيه إلى الاستقلال أو الانفصال، بل ظلوا محافظين على وحدة ليبيا.
ما حصل في هذه العشرية من فوضى عارمة نجحت فيها التشكيلات المسلحة الأمازيغية في فرض كلمتها على السلطة الرسمية بقوة السلاح حالها حال باقي التشكيلات العرقية المسلحة، التي ارتفع لديها سقف مطالبها، وهي لا تعدو كونها طبقات اجتماعية تعيش على أرض واحدة مثل التبو والطوارق.
هذه المطالبات ليست وليدة اليوم، لها مقاربات عدة وسرديات تاريخية متراكمة وفكر أيديولوجي ومجتمعي سياسي، حاول فيه الاستعمار تأجيجه ليصبح إرثا تاريخيا من الصراع العربي الأمازيغي وفشل، لأكثر من نصف قرن تعايش العرب والأمازيغ في ليبيا حياة متساوية أخذت الطابع العربي الإسلامي لوجود 95 % من سكان ليبيا عرب يتقاسمون الإسلام دينا لهم مع إخوانهم الأمازيغ.
إن ما يروج له من فكرة التهميش والإقصاء السياسي والثقافي والقبلي والجهوي، كله ادعاءات لأغراض سياسية واستفادة اقتصادية، لقد أعطى الأمازيغ حقهم في الحفاظ على هويتهم مثل التحدث بلغتهم الرسمية وتدريسها في مناطق وجودهم وتسجيل أولادهم بأسماء أمازيغية للمحافظة على إرثهم وافتتاح قنوات تعزز ثقافتهم، في المقابل لا يمكنهم فرض الأمازيغية بمؤسسات الدولة حتى بدون الرجوع إلى استفتاء شعبي كونهم أقلية لا تتعدى 5 % من سكان ليبيا.. غير ذلك يعزز التشظي بين أبناء الوطن الواحد، وعليه، فالصمت إزاء حادثة تدنيس شعار الأمازيغ من قبل الحكومة يؤكد أمرين، إما كونها عاجزة عن السيطرة على أجهزتها الأمنية أو موطنيها أو أنها تتواطأ بشكل خفي مع طرف يسعى إلى ضرب النسيج الاجتماعي وإثارة الفوضى في البلاد ليعلو سقف مطالب الأمازيغ ليصل إلى الانقسام.