أفريقيا الحضن الرؤوم
بقلم/ فرج بوخروبة
حتى وقتٍ قريبٍ كانت ليبيا القبلة الأولى لدول أفريقيا، ترسم البسمة فوق الشفاه، والفرحة تعلوملامح الوجوه، نعم ليبيا هي الحضن الدافئ والآمن للأشقاء الأفارقة، وهي الحنين إلى ماضٍ مازالت شعوب القارة السمراء تعيشه وتستعيد بريقه ووهجه وشرارته، التي انطلقت من “قاعة واغادوغو سرت”، لتعلن عن ولادة الاتحاد الأفريقي الضامن الوحيد وسط تصاعد التوترات السياسية والاقتصادية وتنامي نفوذ الأجنبي، والتكتل المانع لكل محاولات التدخل الخارجي في شؤون القارة الداخلية، تنتفض القارة الأفريقية الباحثة عن ذاتها، والمعلنة عن مكتسباتها في تحقيق الأهداف التنموية، ووضعها ضمن خارطة العالم نحو الأفضل، بعد أن تخلصت من تبعات الاستعمار والتحديات،لكي تصبح إلى الأبد، أكثر قوة وأكثر قدرة وتطورًا تحت ضوء التاريخ فوق الأرض وتحت الشمس وعلى رؤوس الأشهاد، قارة مستقلة تنعم بالحرية والتحرر والتنمية والعيش الكريم.
ونحن أبناء هذه القارة العظيمة، إذ نشيد بدور الاتحاد الأفريقي مع قضايانا الوطنية وأزماتنا الداخلية والخارجية التي لعبت فيه دول أفريقيا دورًا فعالًا ومؤثرًا على المستوى القاري، تضامنًا معنا في دعم ومساندة ورعاية المصالحة الوطنية برؤى مشتركة بين مختلف الأطراف المعنية في ملف السلام ولم شمل المجتمع الليبي، وهنا نقف قليلًا عند هذا الهدف السامي الذي جاء نتيجة التغيير السياسي في الداخل الليبي، والذي يعكس مدى إمكانية الوصول إلى نتائج إيجابية في ظل الأوضاع الراهنة، ما دعا الإخوة الأفارقة إلى محاولة احتواء الأزمة وحل المشاكل التي تواجهها البلاد في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية.
وإذ نكرر الشكر على هذه المبادرة الكريمة، فإننا في النهاية نؤكد على أهمية الحفاظ على الاستقرار والأمن القومي للبلاد، وتحقيق السلام الدائم، وذلك بعلاج جميع التحديات والأزمات الراهنة بعقلية المجتمع الليبي بوسائل متعددة، أهمها بناء الثقة بين الأطراف الليبية، والقوى السياسية في البلاد، والعمل المشترك مع الأطراف كافة لتحقيق تطلعات الشعب وتعزيز دوره الإيجابي في مسيرة السلام والاستقرار والتنمية الشاملة للبلاد، وتبني ملف المصالحة الوطنية بروح ونفس الشخصية الليبية، التي هي جزء أساس في مسيرة السلام وديمومته، وقطع الطريق عن المشككين وشذاذ الآفاق والصائدين في المياه العكرة، دون الوصول إلى لم شمل الجميع على شراكة واضحة بين كل الجهات المعنية، وأخص بالذكر المتصدر للشأن العام سياسةً واقتصادًا وأمنًا، ويبقى الحل وإن طالت المدة الزمنية رهينة الإرادة الليبية بجغرافيّتها وديموغرافيتها في الداخل الليبي بكل تصرف دون تدخل خارجي، وإن كانت هذه التدخلات من أصدقاء وأشقاء لهم في الفؤاد مكان، وذلك لخصوصية الوضع السياسي وحساسيته، وما يترتب عليه من تداعيات على الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي.
الحل الوحيد، عند الليبيين دون غيرهم! لمعرفتهم بتفاصيل الأزمة وما يعتريها من مخاطر، لذلك هم الأقدر على علاجها بطرق وأدوات قد يجهلها المجتمع الدولي، ويعيها العقل والمنطق في مواجهة التحديات السياسية والأمنية بشكل مباشر لدى العقل الجمعي الليبي، ولذلك فإن الحل الوحيد للمصالحة لا يتأتى إلا ببناء الثقة وإصدار قانون للعدالة الانتقالية لتشكيل محاكم استثنائية تشرع في اتخاذ القرار المناسب لرد المظالم من ضمن خارطة طريق يتفق عليها الليبيون تؤدي إلى نتائج إيجابية للخروج من أزمتهم بسلام.
فمن شأن الأيام أنها قُلَّبٌ لا تدوم على حالٍ ولا يُكتب لأحدٍ فيها السلامة الدائمة من جميع آفاتها، وكما قيل: “ما من شجرة إلا وقد مستها الريح”، وما من آدميٍّ إلا وقد تغيرت عليه أعلام التنقل بين أضداد المعاني فقرًا وغنىً ومرضًا وصحةً وسعادةً وشقاوةً، فهذا شأن الأيام، وهي سنة الله في خلقه التي لا تحابي أحدًا ولا تَنْسَى أحدًا، وقد صدق إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى وأجاد وأفاد حين قال: الدهرُ يومانِ ذا أمنٌ وذا خطر، والعيشُ عيشانِ ذا صفوٌ وذا كَدَرُ، أما ترى البحر تعلو فوقه جيفٌ، وتستقر بأقصى قاعه الدررُ؟ وفي السماء نجومٌ لا عِداد لها، وليس يُكسَف إلا الشمس والقمرُ، قل للذي بصروف الدهر غيرنا، هل عاندَ الدهر إلا من له خطر؟ أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنتْ، ولم تخفْ سوءَ ما يأتي به القَدُرُ؟