مقالات الرأي

نوايا ترامب وعقليته التجارية تعكس جهلا عميقا 

بقلم/ محمد أبو خروبة

للحفاظ على استمرار سيادتهم وهيمنتهم واحتكارهم ومركزيتهم، وللحفاظ على المستوى الأعلى من التطور المتفوق المسيطر لبلادهم، هناك قانون دولي أوروبي أمريكي، غير مكتوب وغير معلن رسميا، معمول به بمنتهى الحزم والضراوة، منذ مئات السنين، لمنع الأمم الأخرى من ممارسة حقها بتنظيم حياتها الداخلية بحريتها (ديمقراطيا مثلا) ولمنعها من ممارسة حقها في التنمية الحرة وفي التطور الحر عموما، إنه قانون التطور غير المتكافئ والتفاوت في النمو، إنه القانون المفروض على الأمم بقوة مختلف صنوف الأسلحة الحربية، النارية وغير النارية! وبالطبع، نحن في جملة الأمم المستهدفة على مدار الساعة.

إنه الضعف في ذروة القوة، فظاهرة الرئيس ترامب غير العقلانية وغير المنطقية هي من مظاهر إفلاس وفساد وتقهقر هذا النظام الصهيوني العالمي، وهي، ظاهرة ترامب، مشكلة واشنطن قبل أن تكون مشكلة غيرها.

تغيرت الدنيا في البيت الأبيض منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي وسط أكثرية جمهورية في الكونغرس، وليس حوله سوى مجموعة ضيقة من الأثرياء في سلطة أوليغارشية حذّر منها الرئيس جو بايدن في خطابه الوداعي، قرارات غير مألوفة في الداخل بما يتجاوز تفكيك الدولة الإدارية والعميقة، ومواقف لا معقولة ولا مقبولة في الخارج والآتي أعظم، فالحلول عنده ارتجالية من النوع الذي يجعل الأزمات أكبر وأخطر، والسياسات تنطلق من عقلية الصفقات التجارية، مشكلة الخلاف على اليوم التالي بعد حرب غزة لها حل مبتكر لا يخطر على بال، استملاك أمريكا لغزة بعد تهجير أهلها كعقار معروض للتطوير.

دولة فلسطينية يمكن أن تُقام على أراضي السعودية الواسعة، لا دول، لا شعوب، لا حقوق وطنية بل مقايضات وصفقات، والواقع أن أميركا دخلت عصر اللا عقل، ذلك أن المعادلة في سياسة ترامب في الشرق الأوسط قائمة على الخلل والاختلال والاحتلال، نتنياهو يدمر في غزة، وترامب يشتري ويعمّر، نتنياهو يقول إنه يعمل لكي تكون إسرائيل دولة عظمى عالمية مزدهرة وقوية، وترامب يهديه كل ما يلزمه من أسلحة ومال ودعم سياسي وعسكري، وحل الدولتين الذي تبنته الإدارات الأمريكية وإن لم تحققه، جعله ترامب حل الدولة الواحدة، إسرائيل الكبرى على أرض فلسطين من البحر إلى النهر، فكيف يمكن إلغاء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والشتات، ولو منعت أمريكا وإسرائيل إقامة دولة فلسطينية بالقرار السياسي أولاً، وبالعمل على الأرض ثانياً، عبر امتلاك أمريكا لغزة وضم إسرائيل للضفة الغربية؟ وهل هذه نهاية لقضية عمرها قرن أم بداية جديدة لفوضى وصراعات وحروب في فلسطين والمنطقة؟ ذلك أنه لا مستقبل لغزة وحدها، ولا للضفة الغربية وحدها، فلا غزة تستطيع تحرير فلسطين بقوة حماس والجهاد الإسلامي، ولا الضفة تستطيع الحصول على دولة فلسطينية بقيادة “فتح”.

ومن الضرورات بعد دمار غزة وبقاء “حماس” كقوة، إنهاء الانقلاب العسكري الذي قامت به “حماس” وفصلت القطاع عن الضفة وأقامت سلطة مستقلة عن السلطة الوطنية الفلسطينية، هما معاً في ظل الاحتلال الإسرائيلي، فما تكشف على مدى أعوام هو أن انقلاب “حماس” لم يكن مجرد خلاف أو صراع مع “فتح”، بل خطة ضمن مشروع كبير عنوانه التحرير، لكنه ضمن الإستراتيجية الإيرانية والمشروع الإقليمي الطموح للجمهورية الإسلامية، وهذا المشروع تلقى ضربة إسرائيلية قاسية في غزة، وضربة قوية في لبنان عبر “حزب الله”، وانهيار النظام السوري الحليف لإيران.

واللعبة الكبيرة مع إيران هي أساس ما تسمى رؤية ترامب للشرق الأوسط الجديد الذي يتخلص من الحروب، وفانتازيا شراء غزة وضم الضفة الغربية هي مجرد مقدمات إلى جانب سياسة الاندفاع الأمريكي والإسرائيلي نحو قطع الأذرع الإيرانية المسلحة في لبنان والعراق واليمن وغزة، لإضعاف إيران واحتوائها، وربما السعي إلى ضربها وتغيير نظامها لا مجرد سلوكها، ومن المهم مبادرة مصر إلى دعوة الدول العربية إلى قمة طارئة في القاهرة لمواجهة خطة ترامب وخطط نتنياهو بعد قمة خماسية في السعودية، لكن الأهم هو ألا تكتفي القمة بالرفض في بيان ختامي، بل أن تقدم خطة قومية لليوم التالي في غزة وإعادة الإعمار والإصرار على دولة فلسطينية، خطة لها أسنان وتمويل وقدرة على المواجهة في الصراعات، لا مجرد أفكار على الورق.

كان وزير الخارجية الأمريكي دين راسك يقول الأفكار ليست سياسات، لكن من الوهم الحديث عن سياسات من دون أفكار، فالمهم تحويل الأفكار إلى سياسات، ولدى العالم العربي كثير من الأفكار وقليل من السياسات، والوقت حان لأن يأخذ العرب موقعهم الطبيعي والقوي في اللعبة مع ثلاث قوى إقليمية وثلاث قوى دولية.

زر الذهاب إلى الأعلى