وطن المؤدلجين والمجرمين
بقلم/ عفاف الفرجاني
لا يخفى على المهتمين بالشأن الليبي أن النواة الأولى للفوضى السياسية والأمنية أساسها التنظيمات المتطرفة التي تسمي نفسها “الجهادية” التي وجدت في العدو الخارجي الداعم الأساسي لها لتتمكن من اقتصاد البلد وتوسيع نشاطها من خلال ما أطلق عليه ببيت مال المسلمين “ليبيا”، إلا أن هذا التصور أجهض من خلال اصطدامه بحقيقة وعي الشعب بمخاطر التغيير الذي روج له، فلم يبق أمام هذه الجماعات من حل للوصول إلى غاياتها إلا من خلال مراحل استحقاقية تتمثل في التغول وإدارة التغول، فبمجرد الوصول إلى الإدارة، هذا يعنى السيطرة، وهذا ما حصل تحديدا في المنطقة الغربية.
بعد سيطرة الجماعات المتطرفة المسلحة على الحكم وإدارة البلاد أصبح من السهل السيطرة على مفاصل الدولة، ما حدث بعد أن عانت البلاد من ويلات الحروب والفوضى المسلحة، تراجعت تطلعات المواطن من حياة الرفاهية إلى بديهيات الحياة المعيشية من أكل وشرب وشيء من الأمان، هذا المشهد يأخذنا إلى حالة مشابهة للوضع الليبي وهى الحالة الأفغانية، في أفغانستان قبل سيطرة طالبان عليها، كانت خاضعة لقانون الغاب حيث الفوضى والاستبداد والاضطهاد والظلم، مما ولد لدى أهلها من قادة الرأي من العقلاء فكرة التعطش لأي نظام يحكمهم، فقط يريدون الهدوء الأمني والاستقرار السياسي، فكانت القاعدة جاهزة لذلك، وحدث ما حدث لهذه الدولة.
الذي حدث في الحالة الليبية ضعف الحكومة وضعف مركزية قواتها على المناطق التي في نطاق صلاحياتها، ففي وجود البيئة الحاضنة للمليشيات حصل الائتلاف بين السلطة والقوة، ومع مراحل تجانس هذه الأطراف قلت الحروب والنزاعات ليس لفاعليتها في إدارة البلد، بل لتأصل التغول وإدارته، ليتم سحق الكيانات الأمنية والسياسية الضعيفة وتتربع القوة الأمنية القوية مع ذيولها من صناع القرار السياسي والديني، أي الحكومة ودار الإفتاء لينتهي دور المواطن في اختيار وتقرير مصيره، قرارها أصبح بالوكالة من القوة الأجنبية ليتم دهس كل من يعلو صوته على صوت الوكيل، وأن محاولة اغتيال وزير الدولة في حكومة الدبيبة، عادل جمعة، وسط العاصمة ونهارا وأمام الجميع هو رسالة مباشرة وصريحة مفادها (لا صوت فوق صوت الرصاص)، بذلك الاستعراض الدموي سيتحدث الناس والصحف ووسائل الإعلام والتواصل عن سطوة الحكومة حتى يخرس الجميع.
الرسالة غير المغلفة لكل مسؤول أن ثلاثي الموت كفيل بإقفال ملف من يفكر في معارضة أي قرار يخالف هذا الثالوث، هذه العينة من تغول الحكومة وميليشياتها ومتطرفيها من الحركات الجهادية تقدم لنا الإجابة الجلية عن طبيعة عمل الحكومة ومن ورائها بداية من استقطاب قادة أمنيين من الميليشيات وتقلدهم مناصب حكومية رفيعة المستوى وضمهم إلى أجهزة الدولة ودعم بعض التنظيمات المتطرفة والمجموعات المسلحة ما يعرفون ببعض الألوية مثل اللواء 444 مقاتل وجهاز الردع، الأنكى من هذا استعمال المجرمين والمطلوبين دوليا في دعم وحماية من سبق ذكرهم على سبيل المثال، (الفراولة) شقيق وزير الداخلية رئيس جهاز الأمن العام عبدالله الطرابلسي ومحمد بحرون “الفار” القيادي في جهاز المخابرات الليبية المحكوم في قضية قتل (الضابط عبدالرحمن البيدجا)، وأيضا أحمد الزقل “الماريندا” آمر قوة الدعم والسيطرة المتهم بارتكاب عشرات الانتهاكات وعمليات القتل في مناطق شرق طرابلس وترؤسه سجونا سرية.
هذا التغول يجعل إمكانية إعادة بناء الدولة صعبا أو شبه مستحيل، والمعجزة الوحيدة التي تلوح في الأفق هي تحرك القوات المسلحة الليبية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإلا لن تكون العاصمة إلا مرتعا للجهاديين والمجرمين والعملاء كما هو الحال اليوم.