ندوة علمية حول الأمن الدوائي بعنوان “السياسات الدوائية بين الواقع والإصلاح”
متابعات– الموقف الليبي
نظم مجلس الأمن القومي الليبي يوم الأربعاء الماضي بمدرج سناء محيدلي بكلية الطب البشري بنغازي، ندوة علمية عامة بعنوان: “الأمن الدوائي في ليبيا.. السياسات الدوائية بين الواقع والإصلاح”، بحضور رئيس مجلس الأمن القومي، ووزيري الصحة والبيئة بالحكومة الليبية، ومدير عام الجمارك، وعدد من المسؤولين والخبراء والمتخصصين في المجال الصحي والدوائي.
افتتحت أعمال الندوة بكلمة للمستشار إبراهيم بوشناف مستشار الأمن القومي الليبي بكلمة أوضح فيها أن سياسات استيراد الأدوية الحالية تشكل خطرًا يهدد البلاد، فالوضع الراهن يتطلب تنظيمًا محكمًا لآلية استيراد الأدوية، لمنع دخول أدوية غير مطابقة للمواصفات، وضمان استيرادها وتخزينها وفق المعايير الصحية السليمة، مشددًا على ضرورة مراجعة هذه السياسات.
كما شدد بوشناف، على أهمية ضمان توفير الأدوية بأسعار مناسبة للمواطنين عبر تنظيم سوق الأدوية والحد من الاحتكار، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين الجهات الصحية والرقابية لتطوير منظومة الأمن الدوائي. وفرض رقابة صارمة لضمان وصول الأدوية للمواطنين بجودة عالية وأسعار مناسبة. وأشار إلى أن التشريعات الحالية المتعلقة بالأمن الدوائي تعاني من الهشاشة، مما يستدعي مراجعتها وتطويرها لضمان حياة صحية آمنة للمواطنين، كما أكد أن هذه الندوات تمثل فرصة لصياغة حلول وتوصيات عملية تسهم في إصلاح القطاع الدوائي.
وأكد أن مثل هذه الندوات تمثل فرصة لصياغة حلول وتوصيات فعالة، تسهم في معالجة هشاشة القوانين المتعلقة بالأمن الدوائي، والسياسات الدوائية الحكومية للتأكد من فاعليتها وملاءمتها للوضع الصحي في ليبيا، مشددًا على أهمية اتخاذ خطوات جدية لضمان حياة صحية آمنة للمجتمع.
من جانبه أكد وزير الصحة عثمان عبدالجليل أن جودة الأدوية في ليبيا تواجه تحديات كبيرة وتتطلب حلولًا عاجلة، وكشف أن نسبة كبيرة من الأدوية المتداولة داخل ليبيا تصل بطرق غير شرعية، حيث تتجاوز 70 % من إجمالي الأدوية المتوفرة في السوق، محذرًا من التأثير السلبي لهذه الفوضى على النظام الصحي في البلاد.
وأوضح الوزير، أن الخطر لا يكمن في أجهزة الرقابة أو الجمارك، بل في غياب التخطيط الإداري والتنظيم الصحيح، مطالبًا بتوحيد قنوات استيراد الأدوية عبر جهة واحدة خاضعة للرقابة المشددة، لضمان وصول أدوية آمنة وفعالة للمواطنين.
نسبة كبيرة من الأدوية التي تباع في الصيدليات لا تخضع للرقابة الرسمية، ولا يوجد لديها الإفراج الرقابي المطلوب، الأمر الذي يجعلنا غير متأكدين من جودتها. وأوضح أن هذا الخلل ليس ناتجًا عن تقصير من الأجهزة الرقابية، بل هو ضعف التنظيم الإداري وتعدد الجهات المسؤولة عن دخول الأدوية عبر المنافذ والموانئ، مما أدى إلى حالة من الفوضى في الاستيراد والتوزيع.
وأشار الدكتور عبدالجليل إلى أن بعض الدول، مثل تونس، نجحت في إنشاء نظام موحد لاستيراد الأدوية، حيث تتولى الصيدلية المركزية مسؤولية استيراد الأدوية بشكل حصري، مما يضمن دخولها عبر قناة واحدة تخضع لمعايير رقابية صارمة، وتُشرف على عمليات الشراء من المصدر، والنقل، والتخزين، والتوزيع وفق المواصفات العالمية.
كما أوضح أن ليبيا كانت تمتلك نظامًا صحيًا أكثر تنظيمًا خلال السبعينيات والثمانينيات، حينما كانت الدولة تسيطر على استيراد وتوزيع الأدوية، مما ضمن توفرها وفق ضوابط واضحة. إلا أن صدور قرار رقم 167 لسنة 2006 فتح باب استيراد الأدوية، للشركات والتشاركيات الخاصة مما أدى إلى إضعاف مسألة الرقابة عليها وسمح بدخول أدوية غير مضمونة إلى الأسواق والصيدليات.
وفي ختام كلمته، دعا وزير الصحة كافة الجهات المعنية إلى التعاون المشترك لوضع آليات تنفيذية واضحة، تضمن توفير الأدوية للمواطنين عبر قنوات واحدة آمنة وموثوقة لاستيراد الأدوية، وفق أعلى معايير السلامة والجودة.
ونبّه وزير البيئة، محمد عبد الحفيظ، إلى أن التخلص العشوائي من الأدوية المنتهية الصلاحية يشكل خطرًا بيئيًا كبيرًا، داعيًا إلى وضع سياسات واضحة لمعالجة هذه المشكلة بشكل آمن.
من جهته أكد مدير عام مصلحة الجمارك، اللواء عادل العوامي، أن سياسات الدولة في استيراد الأدوية “عقيمة وغير منظمة”، مما يسمح بدخول أدوية غير مطابقة للمعايير الصحية.
وأضاف: “نحن في مصلحة الجمارك نبذل جهودًا كبيرة لمراقبة دخول الأدوية، لكن هناك عقبات كثيرة، أبرزها سياسة المجاملات والمصالح التجارية التي تعيق تطبيق الاشتراطات الصحية بصرامة”.
كما صرح د. سالم بن غربية المستشار في مجلس الأمن القومي، بأن الأمن الدوائي يمثل أحد مهددات الأمن القومي، مشيرًا إلى أن غياب التنظيم والرقابة أدى إلى تفاقم الأزمة.
وقال: إن “هذه الندوة العلمية جاءت لتسليط الضوء على قضية حساسة تؤثر مباشرة على المواطن، ونأمل أن تسهم في تحديد أساس المشكلة واتخاذ قرارات مهمة بشكل منتظم لمواجهتها”.
محاور الندوة
الجانب التشريعي: مراجعة القوانين المتعلقة باستيراد الأدوية وتنظيم السوق الدوائي.
الجانب الرقابي: دور الأجهزة المختصة في مكافحة تهريب الأدوية وضمان جودتها.
الجانب الصحي والطبي الدوائي: تأثير العشوائية في استيراد الأدوية على صحة المواطنين.
الجانب الاقتصادي: تحديات تمويل القطاع الدوائي وانعكاساته على أسعار الأدوية.
الجانب اللوجستي: مشاكل التخزين والتوزيع وضمان وصول الأدوية للمحتاجين.
الأمن الدوائي في الأزمات: خطط الطوارئ والاستجابة في حالات نقص الأدوية.
وتم ذلك من خلال جلسات حوارية وأرواق عمل كالآتي:
محاضرة بعنوان الأمن الدوائي: المفاهيم والممارسة قدمها د. خالد سعيد العبيدي، ورأس الجلسة كل من د. إدريس بوخمادة ود. إبراهيم الجندي
الجلسة الحوارية الأولى حيث ناقشت الورقات العلمية الآتية:
تطوير وتنفيذ سياسات واستراتيجيات المنتجات الطبية.
طرق احتواء التكلفة ودورها في الأمن الدوائي.
دراسة ثبات الأدوية وإمكانية إطالة العمر الافتراضي .
عرض مقترح الشركة القابضة لاستيراد الأدوية والمنتجات الطبية.
الجلسة الحوارية الثانية ناقشت الأوراق الآتية:
الصناعة الدوائية والأمن الدوائي،.اليقظة الدوائية ودورها في الأمن الدوائي.
الجلسة الحوارية الثالثة ناقشت الأوراق الآتية:
الأمن الدوائي والأزمات.
دور اللوجستيات في تعزيز إدارة الأدوية الأساسية ومنتهية الصلاحية.
دور الكوادر الصحية في تعزيز الأمن الدوائي.
الأدوية منتهية الصلاحية والأمن الدوائي.
واقترحت الندوة الخطوات العملية لتنفيذ سياسات دوائية جيدة في ليبيا، للإصلاحات التشريعية، وتحسين الرقابة، وتعزيز التصنيع المحلي، وضمان وصول الأدوية إلى المواطنين بأسعار معقولة، وذلك في خطة تنفيذية شاملة لضمان نجاح السياسة الدوائية كالآتي:
أولا: إنشاء هيئة وطنية مستقلة للدواء بهدف تحسين الرقابة وضمان جودة الأدوية، وذلك بإنشاء “الهيئة الوطنية للدواء” أو “الصيدلية المركزية الليبية” لتكون مسؤولة عن إدارة وتنظيم القطاع الدوائي، وتوحيد الجهود بين وزارة الصحة، الجمارك، وباقي الهيئات الرقابية لضمان التنسيق الكامل، وإصدار لوائح وتشريعات واضحة تنظم استيراد وتصنيع وتوزيع الأدوية، إضافة إلى إنشاء نظام إلكتروني وطني لمراقبة الأدوية المستوردة والمحلية.
ثانيا: تعزيز التصنيع المحلي للأدوية بهدف تقليل الاعتماد على الاستيراد وضمان الاكتفاء الذاتي، وذلك بتقديم حوافز استثمارية لإنشاء مصانع أدوية محلية، مثل إعفاءات ضريبية وقروض ميسرة. وتوقيع اتفاقيات شراكة دولية لنقل التكنولوجيا مع شركات عالمية.
إضافة إلى دعم إنتاج الأدوية الجنيسة لتوفير بدائل محلية بأسعار منخفضة، وإنشاء مناطق صناعية متخصصة لصناعة الأدوية بالقرب من الموانئ أو المناطق اللوجستية.
ثالثا: تحسين نظام الرقابة على الأدوية والجودة وذلك لمنع دخول الأدوية المغشوشة وضمان معايير التصنيع الجيد، بتفعيل نظام تتبع الأدوية الإلكتروني لمنع تهريب الأدوية ومراقبة توفرها وتطوير المختبرات الدوائية لفحص جودة الأدوية المستوردة والمحلية. كذلك إنشاء فرق تفتيش دورية للصيدليات والمستودعات لضمان الالتزام بالمعايير. وفرض عقوبات صارمة على بيع الأدوية المغشوشة أو المهربة.
رابعا: إصلاح نظام استيراد وتوزيع الأدوية لضمان توفر الأدوية ومنع الأزمات الدوائية وذلك بإنشاء مخزون استراتيجي وطني للأدوية الأساسية يكفي لمدة 6-12 شهرًا لمواجهة الأزمات. والتعاقد مع شركات أدوية عالمية موثوقة لتوريد الأدوية بجودة عالية وأسعار مناسبة.
وتطوير مستودعات حكومية لحفظ الأدوية وفق المعايير الدولية وإطلاق نظام إلكتروني مركزي لمراقبة المخزون الدوائي وضمان التوزيع العادل بين المدن والمستشفيات.
خامسا: وضع سياسة تسعير عادلة للأدوية، لضمان وصول الأدوية إلى الجميع بأسعار معقولة، وذلك بتطبيق نظام التسعير المرجعي، حيث يتم تحديد سعر الدواء بناءً على متوسط الأسعار في دول الجوار، وفرض رقابة حكومية على أسعار الأدوية لمنع الاستغلال التجاري، إضافة إلى دعم الأدوية الأساسية مثل الأنسولين وأدوية السرطان عبر برامج دعم حكومية. وتشجيع الأدوية الجنيسة كبدائل منخفضة السعر للأدوية الأصلية.
سادسا. تفعيل التأمين الصحي لتغطية الأدوية، لتقليل الأعباء المالية على المواطنين
وذلك بإطلاق نظام تأمين صحي شامل يغطي تكاليف الأدوية الأساسية للمواطنين.
ودعم الفئات الفقيرة عبر برامج دعم دوائي مجانية للمرضى غير القادرين، وتشجيع القطاع الخاص على تقديم خطط تأمين صحي تشمل الأدوية.
سابعا: توعية المجتمع حول الاستخدام الرشيد للأدوية بهدف تقليل الإفراط في استخدام الأدوية وضمان فاعليتها، وذلك بتنظيم حملات توعوية حول مخاطر الاستخدام الخاطئ للأدوية والمضادات الحيوية. وتدريب الأطباء والصيادلة على البروتوكولات الحديثة لوصف الأدوية
وتطبيق قوانين صارمة لمنع بيع الأدوية بدون وصفة طبية للمضادات الحيوية والأدوية الخطرة.
ثامنا: دعم البحث والتطوير في قطاع الأدوية لأجل تعزيز الابتكار وزيادة القدرة الإنتاجية المحلية، وذلك بتقديم منح حكومية لتمويل الأبحاث في الجامعات حول تطوير الأدوية المحلية. والتعاون مع شركات الأدوية العالمية لتطوير أدوية جديدة في ليبيا. وإنشاء مراكز بحثية متخصصة في الصناعات الدوائية لدعم تطوير اللقاحات والأدوية الجنيسة.
تاسعا: تحسين إدارة الموارد البشرية والتدريب في القطاع الدوائي، لبناء كفاءات محلية قادرة على تطوير وإدارة النظام الدوائي، عن طريق إطلاق برامج تدريبية متخصصة للصيادلة ومفتشي الأدوية والعاملين في التصنيع الدوائي. واستقطاب خبراء دوليين لتدريب الكوادر الليبية في مجال التصنيع والرقابة. وتعزيز التعليم الصيدلاني في الجامعات لزيادة عدد الصيادلة المؤهلين.
عاشرا: الشفافية ومحاربة الفساد في قطاع الأدوية، لضمان عدالة توزيع الأدوية ومنع الاحتكار والفساد، وذلك يأتي بإنشاء قاعدة بيانات وطنية لمتابعة استيراد وتوزيع الأدوية.
وفرض رقابة مشددة على العقود المبرمة مع شركات الأدوية لمنع الفساد، وتفعيل آليات الإبلاغ عن التجاوزات عبر منصة إلكترونية للمواطنين.
توصيات الندوة
أوصت الندوة في ختامها بتشديد الرقابة على استيراد الأدوية وتقنين العملية عبر جهة مركزية واحدة. لمنع دخول المنتجات غير المطابقة وإعادة تقييم القوانين والسياسات المتعلقة بالأمن الدوائي لضمان تطبيق معايير الجودة العالمية وإطلاق حملات توعية حول الاستخدام الرشيد للأدوية وتجنب الأدوية المهربة.
كما أوصت بتعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص لضمان استدامة توفر الأدوية ووضع آليات آمنة للتخلص من الأدوية منتهية الصلاحية حفاظًا على البيئة والصحة العامة، إضافة إلى تنظيم سوق الأدوية للحد من الاحتكار وضمان توفرها بأسعار مناسبة، وتعزيز التعاون بين الجهات الصحية والرقابية لتطوير منظومة الأمن الدوائي.