مقالات الرأي

ليبيا.. رؤية اقتصادية بديلة لو لم تشهد البلاد أحداث فبراير 2011

بقلم/ عثمان الدعيكي

لو لم تشهد ليبيا الأحداث المؤلمة للوطن والمواطن وللإقليم عامة في 2011، لكانت قد استمرت في مسارها التنموي الذي بدأته في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ليبيا التي كانت تعتمد على العوائد النفطية بشكل كبير، سعت إلى تنويع اقتصادها من خلال مشروعات تنموية ضخمة في محالات البنية التحتية والسياحة والصناعة، وفي هذه السانحة نستعرض ما كانت ستكون عليه البلاد اقتصاديًا لو استمرت في تنفيذ خططها التنموية، مع التركيز على حجم المشروعات التي تم الشروع في تنفيذها عام 2008، وكذلك الدور الإقليمي لها في أفريقيا والعالم.

ففي العام 2008 أطلقت ليبيا سلسلة من المشروعات التنموية العملاقة بقيمة إجمالية تقدر بنحو 350 مليار دولار، شملت هذه المشروعات قطاعات متعددة مثل: الإسكان، السياحة، المواصلات، والاتصالات، وعلى سبيل المثال فقد تم تخصيص ما يقارب 150 مليار دولار للاستثمارات العقارية والفندقية، حيث شُرِع في بناء أكثر من نصف مليون وحدة سكنية والعمل على إنشاء ما يزيد على 21 ألف غرفة فندقية لاستيعاب الخطط المستقبلية للدولة لتنمية قطاع السياحة، كما تم تنفيذ مشروعات في قطاع النقل والمواصلات، مثل: تطوير المطارات والموانئ وإنشاء شبكة سكك حديدية حديثة، بالإضافة إلى ذلك تم توجيه استثمارات كبيرة نحو قطاع التكنولوجيا والاتصالات، حيث تمت توسعة شبكات الهاتف المحمول والألياف البصرية، ما أدى إلى تحسين الخدمات وتخفيض التكلفة على المواطنين.

وفي إطار المساعي التي تبنتها ليبيا لتقليل اعتمادها على النفط كمصدر رئيس للدخل، والذي تمتلك البلاد منه احتياطيات ضخمة تقدر بنحو 48 مليار برميل، بالإضافة إلى احتياطيات غاز طبيعي كبيرة، فقد تبنت ليبيا خططًا تنموية تركز على تنمية قطاعات أخرى مثل: السياحة، والصناعة، وخاصة الصناعات التحويلية، بالإضافة إلى اهتمامها بتجارة العبور، حيث تم اعتماد إنشاء مشروعات استراتيجية تتبنى هذا الهدف، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد تم الشروع في إنشاء منطقة استثمارية دولية سميت منطقة زوارة-أبو كماش الاقتصادية، والتي كانت تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير الصناعات التحويلية والسياحة، كما تم البدء في شق طريق دولي يربط ساحل البحر الأبيض المتوسط ليعبر إلى دول أفريقيا، وبالتالي يسهم في تنمية تجارة العبور، فضلًا عن تخصيص استثمارات كبيرة لتنمية الطاقة المتجددة، مما كان سيضع ليبيا في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال.

قبل 2011، كانت ليبيا تمتلك احتياطيات نقدية كبيرة بالعملات الأجنبية، مما كان يمنحها ميزة تمويل مشروعاتها التنموية دون الحاجة إلى الاقتراض الخارجي، كما كانت البلاد تلعب دورًا محوريًا في دعم الدول الأفريقية، خاصة من خلال دعمها للبنك الأفريقي للتنمية، الذي كان يهدف إلى تمويل مشروعات البنية التحتية في القارة، وإقامة مشروعات تنموية تساهم في خلق القيمة المضافة للقارة، كما كانت ليبيا تعمل على تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول الاتحاد الأفريقي وتجمع دول الساحل والصحراء “سين صاد”، حيث كانت تقدم الدعم المالي والفني لتحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، وكان من الممكن أن تصبح ليبيا محركًا رئيسا للتنمية في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، إلا أن الخراب الذي حل بالبلاد ومؤسساتها وتدمير بنيتها التحتية أدى إلى توقف قطار التنمية بشكل كامل وأدى إلى تراجع دورها في المنطقة.

خلاصة الحديث ونحن على أعتاب الذكرى المؤلمة في تاريخ شعبنا، والتي لو لم تحدث لكانت ليبيا قد حققت قفزة تنموية كبيرة من خلال تنفيذ مشروعاتها الضخمة في البنية التحتية وتنويع الاقتصاد، إذ كان من الممكن أن تصبح ليبيا نموذجًا للتنويع الاقتصادي والاستقرار المالي، مع لعب دور ريادي في دعم الدول الأفريقية والعربية، ولكن التحديات التي واجهتها ليبيا خلال وبعد 2011 أعاقت تحقيق هذه الرؤية، وأوقفت قطار التنمية في مراحل متقدمة من انطلاقته، فضلًا عن إنها أضرت بمركز ليبيا وريادتها في مجالها الإقليمي والدولي الأمر الذي يتطلب من القوى الوطنية وفي مقدمتها الجيش الوطني والنخب السياسية ضرورة وضع برامج حقيقية لتحقيق الاستقرار وبسط الأمن لإعادة تحريك عجلة التنمية واستئناف المشروعات الاستراتيجية، وخاصة الاقتصادية منها لتحقيق الأهداف المستقبلية في تنويع مصادر الدخل واستثمار عوائد النفط في تحقيق التنمية المستدامة.

زر الذهاب إلى الأعلى