كلام خارج العقل!!
بقلم/ مصطفى الزائدي
أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دهشة العالم واستغرابه بإعلانه عن خطةٍ تهدف إلى السيطرة على قطاع غزة وتهجير سكانه الفلسطينيين البالغ عددهم مليونَي نسمة إلى دول مثل مصر والأردن وغيرهما من دول الجوار تحت ذريعة تحويل القطاع إلى ريفييرا الشرق الأوسط ووجهت بعاصفة من الإدانات العالمية.
ما قاله ترامب ليس تفكيرا خارج الصندوق للتعامل مع القصية الفلسطينية، بل هو خطاب خارج العقل! بتوافق دولي شامل سواء من أعداء الولايات المتحدة أو حلفائها وأصدقائها، فلقد وصفته الأمم المتحدة بأنه دعوة للتطهير العرقي وجريمة حرب متكاملة الأركان تنفذ مع سابق التخطيط والإصرار.
أعاد خطاب ترامب إلى الواجهة النقاش حول حدود القانون الدولي وشرعية السياسات الاستعمارية.
خطة ترامب امتداد لرؤيةٍ استثمارية تُعامل غزة كـصفقة عقارية، حيث صرّح هو ومستشاروه (مثل جاريد كوشنر) بأن القطاع ذو موقع ساحلي استراتيجي يمكن تحويله إلى وجهة سياحية عالمية، بعد إفراغه من سكانه الفلسطينيين.
الفكرة تعكس تجاهلًا تامًا للهوية الفلسطينية وتاريخ القطاع، الذي يُعتبر جزءًا من الأرض المحتلة منذ 1967 وفق القانون الدولي، وإنكارا غريبا لكفاح الشعب الفلسطيني في غزة وتجاهلا لحجم التقتيل والقمع والتدمير الذي مارسه الكيان لقرابة عام ونصف منذ 7 أكتوبر وإلى اليوم.
وبينما حاول مساعدو ترامب تقديم الفكرة على أنها إعادة إعمار مؤقتة، أكد ترامب شخصيًا أن الفلسطينيين لن يعودوا إلى غزة، بل سيُنقلون إلى مجتمعات أكثر أمنًا وجمالًا، حسب قوله متجاهلا السؤال، لو كان الأمر كذلك لمَ لا ينقل لها المستوطنون الصهاينة الذين يستوطنون في فلسطين بالقوة ويأتون من كل أصقاع الأرض؟ هذا التذبذب في تصريحات أعوان الرئيس الأمريكي مجرد محاولة لترويج روايةٍ تبرر التهجير الدائم.
لا شك أن خطة ترامب انتهاك صارخ للقانون الدولي، فالتهجير القسري وفقًا للقانون الدولي يصنف ضمن إطار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، اتفاقيات جنيف التي تحظر المادة 49 من الاتفاقية الرابعة نقل السكان المدنيين قسرًا من الأراضي المحتلة، إلا في حالات محدودة مرتبطة بأمنهم الفوري، وكذلك نظام روما الأساسي تُجرم المادة 7 التهجير القسري وتصنفها كجريمة ضد الإنسانية إذا نُفذت بشكل منهجي، وكذلك ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على حق الشعوب في تقرير المصير، وهو ما يتعارض جذريًا مع فكرة الإخلاء القسري.
مسؤولون أمميون وصفوا الخطة بأنها تطهير عرقي، مشيرين إلى أن القانون الدولي “لا يسمح بشرعنة مثل هذه الأفعال”.
سيكون لمخطط ترامب في حال تنفيذه تداعيات خطيرة تؤدي إلى تفجير المنطقة، وهذا ربما ما يطمح إليه الأمريكيون في محاولاتهم لإعادة رسم خارطة المنطقة.
الدول العربية التي حددها ترامب كمواطن بديلة للفلسطينيين رفضت الخطة بشكل قاطع، مؤكدةً أن التغيير الديموغرافي لفلسطين غير مقبول، وأن حل القضية الفلسطينية يستوجب قيام دولة فلسطينية مكتملة السيادة، وحتى الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لم يستسيغوا الفكرة.
الأمر المثير للاهتمام هو تجاهل المقاومة الفلسطينية وعدم الرد على تهديد ووعيد ترامب، ولسان حالهم يقول لقد أفشلنا مخططات التهجير طيلة سبعة عقود ولا تزال مقاومتنا جاهزة للتعامل مع المخططات وإسقاطها، وأن جبروت وقوة أمريكا انكشفت حقيقتها في أفغانستان وقبلها في فيتنام!
خطة ترامب لا تُعتبر أمرا جديدا في الواقع، بل هي حلقة في سلسلةٍ طويلة من محاولات التهجير التي تعرض لها الفلسطينيون منذ النكبة، حيث طُرد نحو 750 ألف فلسطيني من ديارهم خلال حرب 1948، ولا يزال حق العودة للاجئين قضيةً مركزية في الصراع.
السؤال الذي يفرض نفسه: هل الخطة قابلة للتنفيذ؟ فرغم الضجة الإعلامية، تواجه الخطة عقباتٍ جسيمة في أولها الرفض الفلسطيني الذي أظهر إصرارًا على البقاء في غزة حتى في ظل الظروف المعيشية الكارثية.
وثانيا رفض الدول العربية وعدم وجود دعم دولي بأي صيغة لأطروحات ترامب، وكذلك تعقيدات الواقع القانوني، حيث يمكن ملاحقة المسؤولين عن التهجير، كذلك الانقسام الأمريكي الداخلي. فلقد انتقد عددٌ من أعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي الخطة، واصفين إياها بـ”التطهير العرقي المُقنَّع”.
خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين ليست مجرد فكرةٍ استفزازية، بل اختبارا لمدى التزام المجتمع الدولي بمبادئ العدالة، وأن تنفيذها لن يُعمّق جراح الشعب الفلسطيني فحسب، بل سيهدد الاستقرار الإقليمي ويُضعف مصداقية النظام القانوني العالمي. أمام هذا التحدي، يتحتم على الجماهير العربية التحرك لإسماع صوتها وفرض إرادتها والدفاع عن وجودها وحقها في الحياة الحرة الكريمة.