غزة.. في مواجهة الإمبريالية
بقلم/ ناصر سعيد
المشهد الدولي يزداد تعقيدًا بعد تلك التصريحات والتهديدات التي أطلقها ترامب، والتي تعيد إلى الأذهان ما تعلَّمناه من المحاضرات الفقهية عن نظريات الاستعمار والفراغ ومفهوم الإمبريالية القائم على التوسع على حساب حدود الآخرين لتحقيق المصالح والمكاسب السياسية والاقتصادية. فالاستعمار ليس مرتبطًا بزمنٍ محدد، بل يعود متى توافرت شروطه.
تلك التهديدات تكشف أيضًا حقيقة المخططات الصهيونية للسيطرة على الشرق الأوسط، وهي منطقة تتمتع بأهمية جيوسياسية وموارد طبيعية وثقلٍ حضاري، لتصبح تحت الهيمنة الصهيونية، وهذا المخطط ليس خفيًّا أو حبيس أدراج المخابرات، بل هو مُعلَنٌ دون مواربة.
إن تصريحات ترامب ليست عابرةً، بل تعكس فكرًا استعماريًّا يسعى إلى فرضٍ واقعٍ جديد على دولٍ أخرى بالقوة، في انتهاكاتٍ يتوجب على المجتمع الدولي رفضها والتصدي لها، لأنها تُجاوِز القانون. وهو النهج ذاته الذي اتبعه ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى، حين اعترف بالقدس عاصمةً للكيان الغاصب عام 2017، ثم ضمَّ الجولان السوري المحتل عام 2019.
إن السياسة الأمريكية لا تتغير بتغيُّر الرؤساء أو تناوب الحزبين على السلطة، فثوابتها واحدة: تركّز على المصالح أولًا، وكسر إرادة الدول لتحقيق تلك المصالح، حتى لو كلَّف ذلك دمارًا واسعًا. أما من يعترض على هذه السياسة، فيواجه سخطًا أمريكيًّا لا هوادة فيه، لكن السؤال الأهم: هل يُعزِّز هذا النهج روح التحدي لدى شعوب تلك الدول؟
إن الأنظمة العميلة باتت مكشوفةً أمام شعوبها، ولم يعد أمامها إلا تلبية تطلعاتها نحو التحرر، أو الزوال. فإرادة الشعوب لا تُقهَر. أما القوى القومية والتقدمية، فمطالبةٌ اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، بلعب دورٍ محوري في تعبئة الجماهير العربية لرفض الإملاءات الأمريكية والمشاريع الصهيونية، والدفاع بشراسة عن القضية المركزية للعرب: فلسطين وأرضها، ومساندة غزة وأهلها الصامدين في وجه التهجير والإبادة.