جنون عظمة سمسار.. بين شعوب تنتفض وأنظمة تنضج بالبخار
بقلم/ محمد جبريل العرفي
أربع صفات تحكم شخصية ترامب فتوجه سلوكه، وهي شخصيته المريضة بجنون العظمة، والمتطرفة بعقيدة دينية إنجيلية، والمدفوعة بعنصرية بيضاء استيطانية، والمحكومة بعقلية سمسار عقارات، فهو مريض بجنون العظمة، متعجرف عدواني لا يهتم بمشاعر الآخرين، قال سأشتري غرينلاند وغزة، وأضم كندا وبريطانيا، وأجبر مصر والأردن والسعودية على استقبال الفلسطينيين، وأبني سورا مع المكسيك، وأجبر كوريا واليابان وتايوان لدفع ثمن حمايتنا لهم من الصين، وأوروبا وأوكرانيا ثمن حمايتنا من روسيا.
شخصية انتقامية، عزل خصومه من وظائفهم، واستهدف الدولة العميقة التي أسقطته في الدورة الأولى فأوقف المساعدات الخارجية ذراع الخارجية والمخابرات في اختراق الأنظمة، وسعى إلى حل وزارة التعليم والأمن الفيدرالي واستهدف البنتاغون.
عنصري طرد المهاجرين الملونين والإسبان، بينما عرض استضافة البيض من جنوب أفريقيا بدعوة أنهم يتعرضون للتمييز من قبل السود. أثناء تأبين 67 من ضحايا طائرة واشنطن، قال السبب إن بايدن وظف مراقبين جويين من السود (الأغبياء) وقال لو كانوا البيض الأذكياء لما حصلت الكارثة، والعنصر الثالث كونه إنجيليا متطرفا، وهذا ما ظهر في دعمه اللا محدود للمشروع الصهيوني في المنطقة، هذا المشروع التوسعي المدفوع بخرافات توراتية في أرض الميعاد ومعركة هيمرجدون وعودة المسيح، ويدير الدولة بعقلية السمسار حيث الصفقات والاستحواذ بالافتراءات، والابتزاز، والضغوطات، ولا يمكن كبحها إلا بقوة ندية عندها يتنازل ويخفض سقف مطالبه، مثلما فعل مع روسيا.
وهذا ما شاهدناه خلال أول شهر من حكمه، فقد تخلى عن كثير من وعوده، ولم ينفذ أيا من تهديداته، بل أصبح أضحوكة أمام زعماء العالم الذين يحترمون شعوبهم، فرئيسة المكسيك (كلوديا شينباوم) وجهت لترامب خطابا ساخرا مفتوحا جاء فيها: “حسنًا، أيها الأمريكيون الأعزاء، حتى لو كنتم لا تفهمون الكثير عن الجغرافيا، تظنون قارة أمريكا بلدكم، فمن المهم أن تكتشفوا، قبل وضع أول طوبة بالجدار، أن هناك خارجه 7 مليارات شخص، (مستهلك بمصطلحكم) مستعدون لاستبدال منتجاتكم بالصينية وغيرها، وسيتوقفون عن مشاهدة أفلام (هوليوود) والبدء في مشاهدة المزيد من إنتاج أمريكا اللاتينية والأوروبية والهندية، التي تتمتع بجودة ورسالة وتقنيات ومحتوى أفضل، ويمكنهم تخطي ديزني والذهاب إلى وجهات ممتازة أخرى بأمريكا الجنوبية والشرق وأوروبا، هل رأى أحد أهرامات في الولايات المتحدة؟ في مصر والمكسيك وبيرو وغواتيمالا والسودان ودول أخرى، توجد أهرامات ذات ثقافات عريقة، اكتشفوا أين توجد عجائب العالم القديم والحديث، لا يوجد أي منها في الولايات المتحدة، يا للأسف على ترامب، كان سيشتريها ويبيعها! إذا لم يشتر هؤلاء 7 مليارات مستهلك منتجاتكم، فستكون هناك بطالة وسينهار اقتصادكم (داخل الجدار العنصري) لدرجة أنكم ستتوسلون إلينا لهدم الجدار المشؤوم – لم نكن نريد ذلك – لكن أنتم أردتم جدارًا، ستحصلون على جدار. مع خالص التقدير.”
في منطقتنا كان الرد الشافي بالحشود الشعبية العائدة لأراضيها في غزة ولبنان، أو المرابطة في رفح على حدود فلسطين، أو بالمقاومة المسلحة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق التي هزمت العدو، فقاعة شراء غزة التي اقترحها الصهيوني (جوزيف بيلزمان) الأستاذ بجامعة جورج واشنطن، وتبناها ترامب تملقًا لليمين الصهيوني، وحفاظا لماء وجه النتن ليعفيه مسؤوليته عن اليوم الثاني بغزة، وابتزاز الأنظمة العربية لترضى بحلول صهيوأمريكية، بعض أنظمتنا منبطحة ومرعوبة وناضجة على بخار تهديداته، لكون بعضها مستعمرات، أو تخشى الحصار الاقتصادي المهيج للجماهير لقلب الأنظمة.
الأنظمة العربية لا تستجيب للتحذيرات، ربما لأنها لا تقرأ، وجلها صهيوني بالوظيفة (على رأي المفكر العربي عبدالوهاب المسيري في السبعينيات)، فقبل أكثر من أربعين سنة حذر الشهيد الصائم من قطار الموت الصهيوني، فاتهموه بالجنون وكفروه وتآمروا عليه واغتالوه ودمروا بلاده، والأنظمة العربية لم تنتبه لقول (جولاد مايير) بعد نكسة 67، حيث قال: إني أشتم رائحة وطني في الحجاز الذي علي أن أستعيده” والنتن في كتابه (مكان تحت الشمس) قال: “حدود دولتنا تمتد إلى الأردن وحتى خيبر في السعودية”.
الكاتب الصهيوني (آفي ليبكين) قال في كتابه (العودة إلى مكة) الصادر 2012: “إن حدودنا ستمتد من لبنان إلى السعودية، لضم مكة والمدينة وجبل سيناء والفرات، سيكون البحر المتوسط خلفنا والأكراد أمامنا، وسنعمل على تطهيرها، فهدم الكعبة أهم لنا من هدم الأقصى وبناء الهيكل! ولنا الحق في إرث جدنا إبراهيم، الممنوحة من الرب لبني إسرائيل لا تؤثر فيها الحدود السياسية القابلة للتغيير”، وفي عام 2003 نشرنا بالزحف الأخضر مقالا بعنوان: “الصهاينة سيطلبون منكم تعويضات عن ادعاءات بناء الأهرامات، واضطهاد فرعون، ورفات الرسول”.
الأنظمة لا تجيد النقاشات الجدية عن المستقبل، ولم تكتشف الخطة الصهيونية فواجهتها في البداية بعدم التصديق، ثم بالصدمة عندما تحدث، كتدمير بقية الجيوش لإشعال الفوضى لتفتيت المنطقة، بينما الحكام وحاشيتهم يكتنزون الثروات ويمارسون الملذات، وجوازاتهم الأجنبية جاهزة للحاق بثرواتهم التي هربوها ليعيشوا في قصورهم هناك، (فمن ينهب ثروات الوطن لا يحافظ عليه، والمغبون في وطنه لا يدافع عنه)، تحدى (إيدي كوهين) الحكام العرب بأنه سيعلن إسلامه؛ إن تجرأ أحدهم على سحب سفارته من واشنطن اعتراضًا على قرار ترامب بنقل سفارة أمريكا إلى القدس، مخطط التهجير والتهويد لن توقفه إلا إرادة متحررة وواعية واستشرافية، واتخاذ خطوة معاكسة للتفتيت بإقامة دولة اتحادية، وتوجيه دخل النفط للاستثمار بين العرب.