مقالات الرأي

معسول الكلام وشر الأفعال

بقلم/ ناجي إبراهيم

إذا لم تتم إعادة الرهائن بحلول الساعة 12 ظهرا يوم السبت سأدعو إلى إنهاء الهدنة، هذا ما أعلن عنه ترامب في تصريحه الأسبوع الماضي، يكشف لأصدقاء أمريكا من العرب أن من يقاتل في فلسطين وغزة، وينبئ أن قرار الحرب والسلام في واشنطن وليس في تل أبيب، ويثبت بدون مجال للشك أن دولة الكيان الصهيوني هي قاعدة عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية وحلف الأطلسي، ويفضح الادعاءات الغربية والصهيونية بقيام دولة لليهود في فلسطين، ويثبت أن اليهود كما هم العرب ضحية للمشروع الاستعماري الغربي في منطقتنا.

وتهديد حماس بوقف إطلاق الرهائن أمر فظيع وفق قول ترامب، أما دعوته بتهجير الفلسطينيين وإبادتهم وتدمير غزة فليس كذلك، ترامب ساقه الله لنا لنصحو من غفوة ظننا فيها أن أمريكا الجنة الموعودة التي نلجأ إليها من دنيانا التي لا تطاق، وأنها لا تنطق إلا صدقا، وما تقوله هو الحق، ولذلك وجب أن تلين لها الرقاب وتنحني أمامها الجباه، ويخر لها ساجدين جميع الكافرين بسطوتها وجبروتها وتفردها بالنظام العالمي، ويعود إلى حضنها الجانحون والفارون من عدالتها، ويعبر عن الوجه الحقيقي والبشع للمشروع الاستعماري الغربي الإمبريالي، وأسقط ورقة التوت عن الحضارة الغربية التي تدعي زورا الدفاع عن حقوق الإنسان وحماية الحريات وتبالغ في تصريحاتها الإعلامية وعلى لسان قادتها حمايتها للمدنيين.

لم تكن أمريكا واحة للسلام وليست نموذجا للتعايش بين مواطنيها، ومشاهد سحل السود في الشوارع على يد البيض وبحماية قانون الرأسمالية المتوحشة الذي لا يوفر للفقراء حقهم في دفاع نزيه، وترامب الذي تشرَّب ثقافة الكاو بوي لن يصبح بين عشية وضحاها إلى داعية أو قسيس حتى يتحرك ضميره أمام بشاعة القتل الذي ترتكبه القوات الصهيونية ضد الغزيين.

إن الادعاء بأن قبول الإسرائيليين بصفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى جاء لرغبة أمريكية وبتحريض من ترامب، الأمر الذي كذبه بتصريحاته الأخيرة عن مشروعه العنصري الذي يدفع الشعب الفلسطيني إلى الهجرة القسرية من أرضهم بحجة أن غزة باتت غير قابلة للحياة، وصمود الشعب الفلسطيني الذي فاق كل التوقعات وأفشل جميع الخطط هو من أجبر الحكومة الصهيونية على النزول عن الشجرة وذهابها إلى التفاوض على إعادة أسراهم التي فشلت آلتهم العسكرية التدميرية في إعادتهم.

إن القول بأن إسرائيل رضخت للضغوط الأمريكية قول يجانب الحقيقة حيث الواقع يؤكد على الدعم الأمريكي، بل والمشاركة في العدوان الصهيوني على غزة، ووفرت له الغطاء السياسي في المنظمات الدولية السياسية والقانونية ومنعت صدور أي قرار من مجلس الأمن يدعو إلى إيقاف الإبادة التي ترتكبها قوات الجيش الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وتوعدت محكمة الجنائية الدولية بالعقوبات لإصدارها مذكرات اتهام ضد قادة الكيان الصهيوني، وعطلت قرارات محكمة العدل الدولية لتوصيف الجرائم التي تجري ضد سكان غزة على أنها جرائم حرب، بل وقامت باتخاذ قرارات عقابية ضد حكومة جنوب أفريقيا لتقديمها مذكرة تدين الجرائم الصهيونية أمام المحكمة الدولية، ولم يتوقف سلوك الإدارة الأمريكية الداعم للكيان الصهيوني عند تلك الممارسات بل تجاوزها إلى دعوة ترامب بطلب تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن لإنهاء قضية الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره من أساسها، الأمر الذي يؤكد شعاراتنا السابقة أن الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع وجود لا صراع حدود.

القوات الصهيونية تبني قواعد وتمركزات على مشارف دمشق والوفود العربية تتقاطر عليها مهنئة بالتحرير، وفرنسا تجمع التبرعات لحكامها الجدد وتدعوهم إلى محاربة الإرهاب والقضاء على المقاومة المدعومة من إيران، وتحثهم على ضرورة ملاحقة من تورط في الدم السوري في محاولة لتبييض صفحة الجولاني وتبرئة ميليشيات هيئة تحرير الشام التي أوغلت في الدم والقتل مدعومة من حلف الأطلسي وحكام الخليج وتركيا ما فتح المجال وهيأ المناخات والظروف لزحف جيش الكيان الصهيوني في اتجاه دمشق وفي أيام قليلة تمكنوا من تدمير الجيش السوري وقدراته لتصل على بعد أمتار من العاصمة السورية لمحاصرة آخر نبض للعروبة.

الجولاني أدلب إرهابي ومطارد وتعلن مكافأة بالملايين لمن يدلي بمعلومات عنه، والجولاني دمشق يؤخذ بالأحضان وتفرش له البسط الحمراء، هذا النهج الذي اعتدناه وخبرناه من ساسة الغرب يكشف أنهم يضمرون أشياء ويعلنون عما يخالفها، يدعون محاربة الإرهاب وداعش، ويقدمون لهم الدعم المادي واللوجستي ويفتحون لهم المطارات ويمنحونهم جوازات السفر، فهل ما زال عاقل يثق في هذا الغرب المنافق الذي يعلن وبكلام معسول محاربته للتطرف والإرهاب ويدعم آلة القتل والدمار الصهيونية التي أبادت البشر والحجر في فلسطين ولبنان، يدافع بقوة وشراسة عن حقوق الإنسان ويغمض عينيه عن قتل الفلسطينيين بعشرات الآلاف، ويدعم تهجيرهم من أرضهم قسرا؟

هذه الثقافة التي أنتجت ساسة لا يتورعون في حرق البشرية وقد فعلوا ذلك بضرب مدن يابانية بالقنابل الذرية من أجل تحقيق مشروعاتهم الاستعمارية وتلبية نهم الرأسمالية المتوحشة التي لا تشبع، ترامب هو أحد تجلياتها بل تعبير صريح عنها، وجاء كاشفا لجميع الممارسات السابقة التي كانت تمارس علينا تحت شعارات وعناوين إنسانية وحقوقية، الفرق بين ترامب ومن سبقوه أن من سبقوه يحسنون ذبحنا، وترامب يذبحنا بعنف.

زر الذهاب إلى الأعلى