مدفأة البيت الأبيض المستعرة
بقلم/ فرج بوخروبة
الموقد الخشبي طريقة كلاسيكية يستخدم للتدفئة المنزلية عِوضًا عن مدفأة الغاز أو الكهرباء من حيث التكلفة وجودة الطاقة، كما يعد إضافة رائعة للمنزل لتدفئة مساحة المعيشة، وتوفير أجواء هادئة ومريحة تمنحك الاستمتاع بالاسترخاء أثناء جلوسك بجوار الموقد في أمسية شتوية باردة، وينتشر الدفء في جسمك وطقطقة الحطب المحترق مما يخلق بيئة مثالية غاية في الجمال والرونق، مع الحفاظ على توازن الرطوبة داخل الغرفة، وبهذه الأجواء الساحرة عند رؤية قطع الخشب المحترق داخلها وتطاير اللهب الناري بصحن المدفأة، تطالعنا الصحف والمجلات ونشرات الأخبار بشكل مباشر وغير مباشر بصور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يتحدث في جلساته الثنائية بجوار الموقدة الأمريكية ذات الشرر المتطاير والحبك الخبيث، عن سياساته الخارجية تجاه قضايا الشرق الأوسط والدول المجاورة لأمريكا، وكذلك أوروبا ودول العالم الثالث، التي لم تسلم هي الأخرى من عنجهيته وطغيانه واستبداده الهستيري المتكرر، في محاولة لإعادة التوازن بين المكونات السياسية والاقتصادية، بما يضمن تحقيق علو وهيمنة جديدة ترتكز على المصالح الفردية، دون النظر إلى الواقع السياسي أو الاقتصادي للمجتمع الدولي.
نراه يجلس ونتنياهو متقابلين على مستوى عال من العجرفة والقوة والنفوذ والاستهزاء والسخرية من الآخرين، من أطراف سياسية أو عسكرية غير ذات أهمية أمام سيدة العالم بأسره كما يتخيل مجنون أمريكا الجديد القديم وشطحاته الشيطانية بسخف القول وازدواجية المعنى والمراد، نراه مغازلًا لروسيا ومتحرشًا بالصين على استحياء والضارب بعرض الحائط باقي العالم قائلا: “أنا ربكم الأعلى”.
جلسة حول موقد الحطب كمادة سياسة يستلهم منها الاثنان حرارة اللهب، وسعير الهواء، وسخونة الأحداث، واحتراق الحطب كناتج عن انفجار الوضع وعدم السيطرة عليه، في ظل غياب الرؤية الدولية الشاملة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن الأزمة الفلسطينية والأوكرانية ذريعة وتحايلًا لإنهاء الصراع بطريقتها الفجة المثيرة للجدل، المبنية على نظرية ألاعيب القوى الكبرى في سياق الصراع لصالح إسرائيل، يستخدم القوة للردع والتهديد بإخلاء كل سكان غزة وتهجيرهم لدول مجاورة كحل سياسي تحت التهديد والوعيد، هذه المدفأة كانت الشاهد والملهم لتلك الأفكار الملعونة، تحت تأثير ارتفاع درجات حرارة المشعل الخشبي وسعيره الملتهب.
جلسة واحدة كانت قد شهدت على تقويض ونهاية كل قوانين العالم المرتبطة بالعلاقات الدولية، والإقليمية، واحترام سيادة الدول ومصالح الشعوب، وعدالة السلم والاستقرار والتنمية المستدامة، وحرية التعبير وحقوق الإنسان، والحريات الأساسية والقوانين ذات الصلة كالقانون الدولي الإنساني وتفرعاته وحقوق الطفل والمرأة ومحاكم العدل الدولية وغيرها من معاهدات ومؤتمرات ومنظمات دولية شهدها العالم ولا يزال يعمل تحت مظلتها حتى ظهر لهم من قال: أنا ومن غيري إلى هلاك! أنا العالم، أنا الإرادة، أنا سيد هذا الكون، أنا أمريكا التي لا تقهر! ونتذكر هنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أوَ من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل”.