مقالات الرأي

بين الشعارات والواقع.. قصة من قلب المعاناة

بقلم/ هيثم عبدالمجيد

اليوم، أثناء عودتي إلى بيتي، وعلى الطريق السريع المعاكس المؤدي إلى مستشفى الخضراء في أبوسليم، لفت انتباهي رجل مسن يقف على جانب الطريق، تتقاذفه الرياح والغبار، ممسكًا بيد طفل صغير لا يتجاوز الثامنة من عمره. كان واضحًا أنه يبحث عن من يقلهما، لكن السيارات تمر مسرعة دون أن يتوقف أحد.

توقفت بجانبه وسألته عمّا يحتاج. نظر إليّ بعينين مرهقتين وقال: “كنا في المستشفى، لكنهم رفضوا استقبالنا لأنه يوم عطلة بمناسبة ذكرى الثورة. ابني مريض، وأريد فقط العودة إلى المنزل، لكن لا وسيلة تقلنا.”

نظرت إلى الطفل، كان يمسك بيد والده الصغيرة ويتحرك بخطوات متعبة، لا يفهم لماذا لم يُعالج في المستشفى، ولا يعرف شيئًا عن الثورة أو العطلات الرسمية. كل ما يعرفه أنه مريض ويريد أن يُشفى.

طلب مني الرجل إنزاله في أي مكان قريب من بيته حتى لا يثقل عليّ، لكنني أصريت على إيصاله إلى بابه. وعند وصولنا، التفت إليّ بحرج وقال: “لا أريد أن أتعبك، سأكمل المشي من هنا.” كان يحاول الحفاظ على كرامته رغم التعب، لكني كنت أعلم أن ما يريده حق بسيط من حقوقه، لا منّة من أحد.

وقفت هناك للحظات وأنا أشعر بثقل الموقف. تذكرت كيف كنت أعيش في بلاد غربية، حيث كان ابني يحصل على مرتب، وعلاج مجاني، وأخصائية اجتماعية تزورنا أسبوعيًا للاطمئنان على صحته. أما هنا، في بلاد المسلمين، فهذا الرجل لا يجد حتى وسيلة نقل تعيده إلى منزله، والمستشفى يُغلق أبوابه أمام المرضى بسبب عطلة رسمية تورة فبراير

أي استحقاق إنساني هذا؟ وأي عدالة تلك التي تجعل المرضى يعانون لمجرد أن اليوم عطلة؟!

زر الذهاب إلى الأعلى