مقالات الرأي

التحديات الصحية لقارتنا السمراء

د.علي المبروك أبوقرين

القارة الأفريقية تاني أكبر قارة من حيث السكان 1.5 مليار نسمة، وتشكل 17% من حجم السكان العالمي، وتتمتع بمعدل نمو سكاني عالي، وتتكون من 54 دولة وبعض الأقاليم والمناطق ذات الحكم الذاتي ، والنمو الاقتصادي لا يتناسب مع معدلات الزيادة السكانية لتوفير فرص العمل ، وتحسين مستوى المعيشة.

والقارة السمراء شابة حيث تشكل الفئات العمرية الأقل من سن 25 سنة أكثر من 60% والتي من المفترض أن تشكل فرصاً للتنمية المستدامة إذا أحسن إدارتهم، والاستثمار الجيد في التعليم والصحة، والذين يشكلون أكبر تحدي لما تعانيه القارة من إنتشار للأمراض المعدية والغير معديه، والمشاكل الصحية المرتبطة بالفقر وسوء التغذية، وضعف البنية التحتية الصحية، والانماط الحياتية الغير صحية.

ويتواجد بالقارة ثلثي مرضى الإيدز المصابين بالعالم و 94% من حالات الملاريا العالمية، وأمراض السل والبلهارسيا والدودة الغينية والايبولا، وحمى لاسا وجدري القردة وحمى الضنك وماريبورج والفلاريات اللمفاوية والكوليرا ، والارتفاع في الأمراض المزمنة والأورام ومضاعفات الحمل وارتفاع معدلات وفيات الأمهات والأطفال وحديثي الولادة نظرا لما تعانيه النظم الصحية من ضعف الإمكانيات والأقل عالمياّ في المستشفيات والمراكز الصحية والسعات السريرية واقتصار توفر الخدمات الصحية على المدن والمناطق الحضريه وانتفائها أو ضعفها في الأرياف والمناطق النائية والمناطق الفقيرة والهشة.

معظم البنى التحتية تفتقد للتجهيزات الطبية الحديثة ، والمراكز الصحية تفتقر لتجهيزات الكشف المبكر والفحوصات الدورية ، وكذلك تعاني معظم النظم الصحية من النقص الحاد في القوى العاملة الصحية والأقل على مستوى العالم حيث يتواجد بالقارة 3% من إجمالي القوى العاملة الصحية في العالم.

وتتحمل القارة السمراء أكثر من 25% من عبء المراضة عالميا، وتعاني من نقص يصل 2.3 مليون طبيب و 4,3 مليون من التمريض وكذلك الفنيين الصحيين والصيادلة وأطباء الأسنان والتخصصات الصحية المختلفة، وهذا نتيجة لضعف النظم التعليمية والتعليم الطبي بالذات حيث يتواجد في القارة فقط ما يوازي 170 كلية طب تفتقر معظمها للبنى التحتية التى تتناسب مع أعداد الدارسين والمتدربين ومتطلبات التعليم الطبي ، وتفتقر للمناهج الحديثة والبرامج التعليمية والتدريبية المتطورة وتعاني من النقص في أعضاء هيئات التدريس المؤهلين، والنقص في المستشفيات التعليمية والتدريب العملي والسريري الجيد .

مع الهجرات للكوادر الطبية والفنية والتمريضية خارج القارة السمراء، وانعكس كل ما تقدم على ضعف مستوى البحوث الصحية والطبية والمهمة جدا لتحسين جودة الخدمات الصحية وتطوير الحلول المبتكرة لمجابهة التحديات الصحية المتزايدة، وهذا يرجع لنقص التمويل والكوادر المؤهلة، وضعف البنى التحتية البحثية وغياب الإجراءات القانونية والتنظيمية والاخلاقية في معظم الأحوال ، والتحدي الذي لا يقل خطورة هو الأدوية المزيفة والمغشوشة.

تعتبر القارة الأفريقية من أكثر المناطق التي تنتشر فيها الأدوية المزيفة، ورائجة فيها تجارة الأدوية المغشوشة والمهربة والتي تشكل خطراً على صحة وحياة الناس، وللأسف تصل إلى نسب مرتفعة تتخطى 70% في بعض الأماكن ، وخصوصًا التي تغيب فيها الرقابة الدوائية وتنتشر بها الصيدليات الغير مرخصة والأسواق المفتوحة والشعبية للأدوية ، وكذلك المجتمعات الفقيرة التي تجبرها الأمراض على البحث عن الأدوية الرخيصة، والفساد في بعض الأنظمة الصحية والجمركية أو التي تعاني من النقص في الكوادر والخبرات، والتي لا تمتلك منظومات سلاسل الأمداد المغلقة والمحكمة وتحت سلطة ورقابة الدولة.

مع كل التحديات إلا أن هناك نماذج أفريقية مضيئة في النظم الصحية والتعليم والتدريب الطبي والصناعات الدوائية، ومنهم جمهورية مصر العربية أقدم مدرسة طبية في العالم وبها كليات للطب والصيدلة والأسنان والتمريض والإدارة الصحية، ومعاهد عليا للتمريض والفنيين الصحيين، وكذلك بدولة جنوب أفريقيا وتونس ونيجيريا وكينيا، ويسري هذا على التصنيع الدوائي الذي تتميز فيه مصر بقلعة صناعية للأدوية والمستلزمات الطبية تصدر منها لمعظم الدول الأفريقية وخارج القارة، وكذلك جنوب أفريقيا والمغرب وكينيا ونيجيريا.

تشكل حجم تجارة الأدوية بالقارة السمراء أكثر من 50 مليار دولار سنويًا وتزداد عام بعد عام، ومع كل التحديات الصعبة والمعقدة إلا أن القارة الافريقية تمتاز بنقاط قوة كبيرة وفرص عظيمة إذا أحسنت أدارة واستثمار القوة البشرية الشابة ، وتكاتفت الجهود بدول الإتحاد الافريقي ودعم النظم التعليمية والصحية، وإستغلال تطور الهواتف الذكية والتعليم عن بعد والتطبيب عن بعد ، والذكاء الاصطناعي والتقنية الرقمية والإنترنت والاتساع في برامج التوعية والتنمية البشرية الصحية.

وتسخير كافة إمكانيات القارة لسد فجوات نقص القوى العاملة الصحية وتعويض هجرة العقول، والقضاء على الأمراض وأسبابها، بالنهوض بالتعليم والصحة تنمو القارة اقتصاديًا وتتحسن جودة الحياة ،
والقارة فيها ما يكفيها وينهض بها ..

زر الذهاب إلى الأعلى