ترامب يهزم أمريكا!
بقلم/ عبدالله الربيعي
من بعد الركود في بداية ثلاثينيات القرن العشرين وأحداث الحرب العالمية الثانية وما نتج عنها وبروز الاتحاد السوفيتي كقوة عالمية زاحفة مناهضة للجشع الرأسمالي ومساندة للشعوب من أجل الحرية والاستقلال، وأمام شعارات الشيوعية وانتصار العمال على مستغليهم كان لزاما على التاجر الجشع والرأسمالي المستغل أن يغير جلده ويستخدم الدهانات والأصباغ والمكياج ليغير ملمحه ويستبدل أدواته الخشنة بأدوات أكثر نعومة ويواجه مخاطر ثورة العمال في مجتمعه، ويستقطب آلاف الشباب من مختلف بقاع العالم ويوهم الشعوب الثائرة والمناهضة للاستعمار بأن أمريكا الرأسمالية أرض الأحلام، والداعمة لحقوق الإنسان وللديمقراطية ومناهضة للقمع والديكتاتورية.
كانت هذه السياسات أكثر وضوحا في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته إلى انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية في شرق أوروبا وانهيار جدار برلين، وليتمكن الرأسمالي الجشع من إنجاز ذلك وظف نماذج براقة على حدود الدول الاشتراكية في ألمانيا الغربية وفي كوريا الجنوبية وهونغ وغيرها، ليوضح الفارق بين التوجهات الرأسمالية والاشتراكية، أيضا في نفس الوقت من خلال مدينة الإعلام والسينما في هوليود، على مدى عقود متعاقبة كرست الآلة الإعلامية الأمريكية التي تقودها هوليود صورة نموذجية للحياة المرفهة، في الولايات المتحدة الأمريكية حيث الحرية والمال الوفير وفرص النجاح للفرد من خلال عمله الجاد بغض النظر عن أية فوارق في اللون أو العرق أو الثقافة، كل ذلك وفق استراتيجية استخدام القوة الناعمة القادرة على الجذب والضم دون الإكراه.
ضمن هذه الاستراتيجية استخدمت أمريكا الدبلوماسية اللينة والمساعدات الأجنبية بمئات الملايين من الدولارات وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، والمنح الدراسية وفتح أبواب الهجرة للكفاءات والخبرات من مختلف دول العالم، إلا أن هذا الحال تبدل بموت الاتحاد السوفيتي وبعدم وجود منافس ومناهض أيديولوجي على الساحة الدولية، وغيرت أمريكا من جلدها الناعم إلى أمريكا الغول المستخدم للقوة الصلبة المرعبة، فهي ليست في حاجة إلى القفازات الناعمة أو إلى المثل العليا كالحرية والتبشير بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وحماية الأقليات، أو إلى البريق الإعلامي الهوليوودي، فأمريكا بعد كل التحولات الكبرى خلال الثلاثة العقود المنصرمة، تعرّت من كل فضيلة وأنتجت لنا في ظاهرة ترامب الخنزير البري الهائج، أمريكا التي تبتز حلفاءها جهارا نهارا بمنطق أن تدفع ثمن الحماية أو نجعلك فريسة لخصومك أو نقتلك في وضح النهار، فالرئيس ترامب ليس استثناء فهو ظاهرة أمريكية رأسمالية، حيث إدارة المشروع الرأسمالي أو الشركة يمارسها صاحب رأس المال ولا يترك ذلك لطبقة المسيرين، فظاهرة ترامب تشكّل تراجعا على كل المستويات وسيشهد العالم تحولات دراماتيكية على كل الأصعدة نتيجة لذلك، ولن تجدوا أمريكا وبريقها والتزاماتها السابقة، فـ”ترامب” يهزم أمريكا.