هزائم خارج الصندوق
بقلم/ عفاف الفرجاني
أسعدني رد مندوب مصر في الأمم المتحدة، أسامة عبدالخالق، على تصريحات مندوب إسرائيل، داني دانون، حيث حذر الأخير المجتمع الدولي من قدرات الجيش المصري، موضحا أن استمراره بالنمو والتطور سيشكل خطرا على الأمن الإقليمي والدولي.
وأضاف أسامة عبدالخالق أن تصريحات مندوب إسرائيل كانت لراديو لم يدل بها (دانون) في الأمم المتحدة أو رسميا، وإلا كان لنا رد رسمي على كلامه، وسيكون الرد عليه أن دولة بحجم مصر تلزمها جيوش قادرة وقوية وقادرة على الدفاع عن الأمن القومي وبتسليح كاف ومتنوع.. لا يخفى أن الردع وتوازن القوى في كافة أنحاء العالم هو ما يضمن السلام والاستقرار.
هذا في تقديري ليس فقط مجرد رأي على راديو محلي من مندوب دائم لدولة الاحتلال، بل هو قلق حقيقي من بلد يشكل عمقا استراتيجيا في وطن عربي واحد، الدخيل المستعمر فيه إسرائيل وحدها.
هذا يقودنا إلى أن المخطط الصهيوني الأمريكي لم يعد أمامه سوى تدمير أكبر قوة عسكرية في المنطقة بعد أن دمر الجيوش القوية منها جيش العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان ليترك الجيش المصري في آخر الطابور بعد أن ضمن سيطرته على محيطه العسكري ليستفرد به. ما طرحه دانون ليس وحده من يطرحه، فالإدارة الإسرائيلية تطرح ذات السؤال لتكون صحوة للقوة العالمية وعلى رأسها أمريكا راعية الاحتلال. الرسائل مفادها أن الدولة المصرية وقيادتها تنفق مئات الملايين من الدولارات على الترسانة العسكرية، بينما هي دولة ليس عليها أي تهديد حدودي! فدولة بحجم مصر تنعم باستقرار أمني ماذا تفعل بالغواصات والدبابات والطائرات؟ هذه التساؤلات مؤخرًا أصبحت تطرح في الأوساط السياسية الإسرائيلية بعد أن انتهوا من خصومهم مثل مقاومة حماس وتحجيم الدور الإيراني في المنطقة. هم الآن يدقون أجراس الإنذار ليخبروا أنفسهم أن هذا التغول الترساني لمصر لن يكون إلا لمحاربتنا فنحن المعتدي الوحيد في المنطقة ولن تستعمل قوتها العسكرية إلا ضدنا!
إسرائيل على مر السنين لم تستوعب الدرس ولم تتعلم من هزائمها، مصر العظيمة التي لقنت العدو الصهيوني درسا في فنون القتال والوطنية في العديد من الحروب المباشرة مثل حرب 1973، أو غير المباشرة في العدوان الثلاثي التي كانت إسرائيل فيه الممول الأساسي للعدوان، من الإخفاق في تقدير الأمور أن يضع العدو الصهيوني مصر في قائمة العناوين المستهدفة فلن تكون إلا سيناريوهات مكررة لما سبقها من هزائم.
جيش مصر وكما صنفه موقع “غلوبال فاير باور” المختص بالشؤون العسكرية للدول، وفي آخر إحصائية لعام 2025، على أنه الجيش الذي يحتل المرتبة الـ19 على مستوى العالم ككل كأقوى عسكرية قوية، اليوم العالم يرى مصر وهي تقف أمام جبروت القوى العظمى بندية وخاصة في القضايا المصيرية مثل القضية الفلسطينية، والتي أبلغت فيها مصر الراعية الرسمية لدولة الاحتلال أمريكا، أنها لن تسمح بتهجير أهل غزة بل لديها رؤية لإعادة إعمار القطاع، ولم تقف رسالة القيادة المصرية لأمريكا عند هذا الحد، بل اعتبرت أن ملف تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة هو انتهاك صارخ للقانون الدولي يمكن أن يقوض محادثات وقف إطلاق النار ويهدد العلاقات في الشرق الأوسط. هذا ما وجهته القيادة المصرية لترامب وإسرائيل وهددتهما أن اتفاق “كامب ديفيد” للسلام مع إسرائيل معرض للخطر لو استمروا في المضي قدما في مخططهم بإفراغ الأراضي الفلسطينية من أهلها، لهذا نحن كشعوب فقدت الكثير من كرامتها أمام المد الاستعماري بشكله الحديث المتمثل في ضرب الشعوب ببعضها البعض والحكومات بشعوبها، وفقدنا ما فقدناه من جيوش عربية قوية بفعل المؤامرة.
نحن اليوم نتعلق بالأمل الأخير بالجيش المصري والقيادة المصرية لحين تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في دولنا العربية، إلى ذلك الحين والجيش المصري أمين على القضية العربية والفلسطينية.