مقالات الرأي

ليبيا نحو اقتصاد مستدام

بقلم/ عبد المجيد قاسم

ربما كان الحديث عن اقتصاد مستدام مأمول في بلدٍ يعاني من الانقسام السياسي حديثًا أشبه بالعزف المنفرد، فأولويات المرحلة تجعل للسياسة وهمومها مرتبة الأولوية الأولى عند التنظير، والتقعيد، والتحليل، وبخاصة في مجال الكتابة الصحفية، لكنني أقول إن السياسة وهمومها لها أهلها، فمهمها حبّرنا من صفحات في الصحف، ومهما وضعنا من إدراجات في وسائل التواصل الاجتماعي، لن يكون لها وزن، لأننا أولًا شعب لا يقرأ، وثانيًا لأن الرأي المسموع هو للأشخاص الفاعلة في المشهد السياسي ولسنا منهم.

لذا رأيت أن أكتب عن اقتصاد البلد، متناولًا إياه من زاوية أراها مستقبلية، وهي زاوية ضرورة خلق بدائل للنفط، فلطالما كان النفط العمود الفقري للاقتصاد الليبي، حيث تعتمد البلاد بشكل شبه كامل على عائداته، وتنتج ليبيا حاليًا نحو مليون وثمانمائة ألف برميل يوميًا، وذلك حسب ما صرح به مؤخرًا رئيس حكومة الوحدة الوطنية.

ورغم أهمية النفط في الوقت الراهن، فإن تحديات المستقبل، خاصةً في ظل كونه مصدرًا ناضبًا، تستدعي إيجاد بدائل اقتصادية مستدامة، وهذا التفكير نابع من المسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه الأجيال القادمة.

من هنا، تبرز الحاجة إلى إيجاد طرق لاستغلال ثروات البلاد الطبيعية غير المستغلة لتطوير قطاعات اقتصادية جديدة تساهم في خلق فرص عمل وتساعد على تنويع مصادر الدخل القومي.
وبالنظر إلى خارطة الثروات الطبيعية في ليبيا نجد أن هذا البلد قد حباه الله بثروات بحرية وبرية هائلة يمكن أن تشكل بدائل قوية لقطاع النفط.

فإلى جانب النفط، يمتلك هذا البلد الساحلي قرابة 2000 كيلومتر من السواحل على البحر المتوسط، مما يتيح فرصًا واعدة للاستثمار في عدة مجالات مثل:
المزارع السمكية التي تعد أحد الخيارات المثلى لتوسيع قطاع الصيد البحري، مما يعزز الإنتاج المحلي للأسماك ويوفر فرص عمل جديدة.

دعم قطاع الصيد البحري: ويتم ذلك بتحديث تقنيات الصيد، وتوفير المعدات اللازمة، وتدريب القوى العاملة، حيث يمكن لهذا القطاع أن يصبح محركًا اقتصاديًا رئيسيًا.

تطوير السياحة البحرية: مع سواحلها الممتدة، تستطيع ليبيا إنشاء منتجعات سياحية ومناطق ترفيهية على البحر، ما يعزز قطاع السياحة ويجذب الاستثمارات الأجنبية.

أما بالنسبة للثروات البرية، فإن هناك إمكانيات هائلة يمكن استثمارها، نذكر منها:
الثروة الحيوانية: تمتلك ليبيا مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للرعي، ما يجعلها مؤهلة لزيادة الإنتاج الحيواني من لحوم وألبان، وبالتالي توفير فرص عمل للمزارعين والرعاة.
زراعة التمور: تعد زراعة النخيل أحد الأنشطة الزراعية المربحة في الجنوب الليبي، وذلك إذا تم دعم المزارعين وتشجيع صادرات التمور، وتشجيع إقامة الصناعات القائمة عليه، ويمكن بذلك أن تتحول زراعة التمور في ليبيا إلى مصدر رئيس للإيرادات الوطنية.
الزراعة والمحاصيل الغذائية: من خلال تطوير زراعة الحبوب مثل القمح والشعير في الجنوب الليبي، وتشجيع زراعة الفواكه كالمانجو في الكفرة، والتفاح في الجبل الأخضر، يمكن لليبيا تعزيز إنتاجها الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

الثروات المعدنية: يظل قطاع التعدين في ليبيا مهملًا إلى حد بعيد، فبينما تحتوي البلاد على مخزونات ضخمة من المعادن مثل الحديد والفوسفات والمنغنيز، فإن أعمال التنقيب واستثمار هذه المعادن تظل راكدة ومهملة برغم أهميتها، وإذا توجه الاهتمام نحو هذا القطاع فسيكون ذلك خطوة مهمة نحو تنويع الاقتصاد الوطني.
أيضًا لدى ليبيا بفضل موقعها الاستراتيجي بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، فرصة لتصبح مركزًا مهمًا للتجارة والعبور في المنطقة، وهذا يتطلب تعزيز البنية التحتية، مثل تطوير شبكة الطرق والموانئ والمطارات، إضافة إلى تبسيط الإجراءات الجمركية، فمن شأن ذلك أن يمكن ليبيا من استغلال الموقع الجغرافي الحيوي الذي تتمتع به لتحقيق مزيد من الإيرادات عبر تجارة العبور.

أخيرًا، وفي عصر التحول إلى الطاقة النظيفة، تمتلك ليبيا إمكانيات هائلة للاستثمار في الطاقة الشمسية والرياح، حيث يتمتع البلد بموقع جغرافي مثالي للاستفادة من الطاقة الشمسية، مما يمثل فرصة لخفض الاعتماد على النفط وتوفير مصادر طاقة بديلة مستدامة.

والخلاصة أن ليبيا من خلال استغلال الثروات الطبيعية الكامنة فيها، سواء البحرية أو البرية، يمكن لها كبلد أن تنوع مصادر دخلها وتخلق فرصًا جديدة للعمل، مما يساهم في تعزيز اقتصادها وتقليص الاعتماد على النفط، وإذا تم توجيه الاستثمارات في هذه القطاعات بشكل استراتيجي، سيكون بالإمكان بناء اقتصاد مستدام ومتنوع يضمن مستقبلًا أكثر استقرارًا للأجيال القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى